تعجبني الشخصية المتّزنة التي تنبع منها الخصال المتباينة بشكل ذكي؛ فتجدها حاضرة الشعور وحصيفة العقل، عفويّتها ممزوجة بالوعي، وتسكب في كل إناء من الأوقات ما يناسبه من جد وهزل، وسلاسة وحزم، وإقدام وإحجام.. لطالما تيقّنت بأن جمال الصفات يكمن في اتزانها وأن قوّة المرء تظهر في حكمته.
يجلس بتريس على مكتبه يفكر في شيء لا يبدو على ملامحه أبدًا، فدائمًا ما أجاد إخفاء تعابير وجهه، لا أحد مهما كان يستطيع قراءة أفكاره، دلفت السكرتيرة مقاطعة أفكاره تخبره بوجود السيدة فريال في الخارج تود مقابلته، تعجب بحضورها الآن قبل موعد الإجتماع بكثير، نفض أفكاره طالبًا منها السماح لها بالدخول، فدلفت بخطواتها المدللة تمشي ببطء شديد كأن في قدميها جرح جالسة على الكرسي أمام مكتبه تضع قدمًا فوق الأخرى لتكشف عن بياض ساقيها، نظر لها بتمهل يقيمها بنظرة رجل شرقي متفحص، اصطبغت وجنتيها بحمرة الخجل تلقائيًا مما آثار دهشته، تلك المتكبرة ذات الطابع الأنثوي الحاد تخجل كالفتيات المراهقات، جزت على أسنانها من وقاحة نظراته فاستعادت تلك الشخصية الكاذبة القوية التي تحتمي بها قائلة:_أسفة إني جيت قبل المعاد.
اعتدل في جلسته ناظرًا لها بجدية قائلًا:
_وجيتِ قبل المعاد ليه.؟
نظرت له تضيق عينيها بغضب من ذلك الرجل الذي لا يجيد التعامل مع الأنثىٰ البتة ويبدو أنه لن يلين بسهولة، استرجعت خصلات شعرها الغجري للخلف قائلة بهدوء:
_في كذا بند محتاجين تعديل في الصفقة.
_بس احنا نقاشنا كل حاجة الاجتماع اللي فات.!
_لما قعدت مع نفسي ورجعت التغيرات اللي عملانها لقيت إن لسه في حاجات محتاجة تعديل..زي مثلًا التوقيع واستلام الشحنة مش عايزاه عليا..لأن صعب إني أنزل الجمارك وأتعامل مع الناس هناك وكدا..بس أنت بما أنك راجل وليك علاقاتك الاجتماعية أكيد معاهم فالموضوع هيكون أفضل وأسهل ومش هيأخد وقت كبير.
طال صمته يقلب الموضوع في رأسه بعدما رأي إصرارها يحاول فهم المغزى من تغير كلامها ولما تريد تغير هذا الشرط.!! ألم يختار كلًا منهما ما يجب عليه القيام به، طال صمته عن المعتاد وهو ينظر للاشيء، فاقتربت تقف جواره تضع يدها على كتفه قائلة بهدوء:
_خير في حاجة.؟
نظر ليدها الموضوعة على كتفه ثم رفع رأسه ينظر إليها، تلك المرأة شديدة الفتنة بكل معنى الكلمة وجهها الذي يحمل معالم البراءة لكنه لا يخلي من المكر الأنثوي الحاد، تلك الشخصية التي فشل في التعرف على ماهيتها..أحيانا قوية كأنها جبل شامخ، وأحيانا يبدو من عينيها الضعف، مزيج من كل شيء واللاشيء، رفع يده يمسك بيدها يزيحها عن كتفه ثم استقام واقفًا أمامها قائلًا بشموخ:
_موافق
قالها بنبرة شبه ساخرة جعلتها تتوتر كأنه يقرأ تفاصيل عقلها وما يموج به، استدارت لتعود لمكانها لولا التواء قدميها بسبب الحذاء ذو الكعب العالي الذي تمقته كثيرًا، تأوهت مستندة على المكتب، قرأ الألم على تفاصيل وجهها فاقترب واضعًا يده على خصرها مما جعلها تشهق بدهشة وخوف في آن واحد واليد الأخرى أسفل ركبتيها حاملًا إياها حتى الأريكة واضعًا إياها عليها برفق، اعتدلت في جلستها ووجهها تكسوه حمرة الخجل، تمسك بقدمها تحاول تدليكها، اتجه لمكتبه رافعًا السماعة طالبًا بعض قطع الثلج، لتأتي بها السكرتيرة سريعًا ثم تنصرف، ليجثو أمامها على قدمٍا واحدة يمسد على موضع الألم بقطعة الثلج زفرت بتوتر حاد قائلة:
أنت تقرأ
عذاب حبـك "الجزء التاني من جبروت قسوته"
Romanceهل أخبرتك يوماً أنه أصبح للوقت طعمٌ ورائحة ولون منذ أن عرفتك! هل أخبرتك يوماً أنني كنتُ أرى الكون رمادياً وأنك سكبت عليه ألواناً ما كنتُ أعرفها، هل أخبرتك يوماً أنك عبرت بحياتي كشمسٍ أشرقت على مدينة لا تعرف الشمس وكطائرٍ حطّ على شجرةٍ عاريةٍ ذات شتا...