● النمو في بيئة مزدحمة

133 34 19
                                    

يجيب الناقد الفرنسي جيرار جينيت Gerard Genette عبر تصنيفه هذا التداخل في علاقتين.

وفقاً لجينيت، التداخل إما يكون :

● علاقة ظاهرية : تكون فيها الروافد واضحة. أي يمكن ببساطة أن ترى ثقافة المؤلف وروافده في النص الذي يكتبه.

أو ..

● علاقة سرية : تكون فيها الروافد غير واضحة. يخلق فيها الكاتب نصاً/عالماً يبدو في الظاهر منفصل تماماً عن ذاته وقراءاته وثقافته.

وكلما قلّ وضوح الروافد ازداد المستوى الإبداعي للنص.

وكلمة (وضوح) هنا لا تنفي وجود الرافد بل تؤكد فقط عدم ظهوره للقارئ العادي، بينما يراه الباحث والناقد ويتتبعان أثره.

كما أن للتداخل النصي تصنيفات شتى وأنواع، اخترت منها الحديث عن الأنواع التي يلعب الدور الأكبر في الفصل بينها نوايا المؤلف نفسه ووعيه لوجود هذه الروافد أو عدم وعيه لها وكذلك أهمية المدلول، أي الدور الذي يلعبه هذا الرافد في العمل الناتج.

والأنواع ثلاثة هي:

1.  تداخل نصي عَرضي.

غير مقصود. يقع خارج مسؤولية المؤلف. لا يكون في العمل رافد ظاهر ولا مُبطّن، إنما يربطه قارئ فردي (غالباً) بخبرة سابقة لديه أو عمل آخر لأسباب تنبع من عقله الخاص.

إنه شَبَه بين نصين يراه عدد قليل جداً من الأشخاص، ولو شخص واحد.

2. تداخل نصّي اختياري.

رافد موجود تحت غطاء. أي يقع توضيحه أو إسراره على مسؤولية المؤلف وبحث الناقد وتعمّق القارئ الواعي.

وسواء انتبه له القارئ العادي أو لم ينتبه لا يؤثر هذا على فهمه للنص.

من الكُتّاب من يوحي للقارئ وينبهه عن عمد لوجود الرافد، ليبث له مفاهيم وأفكار غائيّة أو ليضيف عنصر الغموض والتحري. أو لمجرد زيادة طبقات النص ليزيد تقييم النُقّاد للقيمة الفنية للعمل.

مثلاً : رواية (أبناء حارتنا) لنجيب محفوظ، لولا (الاسقاط الديني) ووجود تشابه بينها وبين قصة قابيل وهابيل شبهاً خفياً طبقيّاً، لما حصّلت قيمة أدبية واعترافاً من النقّاد.

الشبه موجود، لكن إدراكه ليس ضروري لفهم الرواية، حتى أن معظم من قرأها استمتع بها لكن لم يتفهم سبب شهرتها.

3. تداخل نصّي إلزامي.

يكون تداخل النص إلزامياً عندما يعتمد فهم القارئ على فهمه للرافد، وذلك باختيار الكاتب. أي عندما يعمد الكاتب لإنشاء مُقارنة أو ربط بين عمله وعمل سالف.

في حالة كهذه، لن يكون الربط أو المقارنة واضحان إلا إذا اعترف الكاتب بالرافد (النص السالف) ووعى القارئ لوجوده.

■ كيف؟

في المسرح، مثلاً، عندما يتبنّى المؤلف شخصيّةً ثانوية، من رواية أو عمل ما، تم إهمالها أو الاقتضاب في شرح تطوراتها، ليحوّلها إلى مسرحية توفيها حقّها مع الإبقاء على اسمها ومحيطها وكل تفاصيلها، في حالة كهذه، يتوجب عليه لِزاماً توضيح وذكر الرافد (المصدر) الأصلي للمشاهد/القارئ حتى يفهم أجواء العمل الأدبي، ومحيطَ الشخصية، ومن أي عمل أتت، وطبيعة الحدث.

وأجل هذا يعدّ عمل تحويلي، حوّل النص من جنس أدبي لجنس أدبي آخر.

■ ألا يُعتبر هذا التحويل سرقة أو انتحال أدبي؟

لا .. هذا يُسمى أخذ. والأخذ هو أحد حالات التداخل النصي.

أجل، للتداخل النصي حالات وتشمل :

● التلميح : ذكر مقاطع من نصوص تاريخية.

● الاقتباس : الأخذ عن القصص والنصوص الدينية.

● استعارة المصطلح : هو أخذ عبارة أجنبية بترجمة حرفية (ضعيفة) واستعمالها كما هي.

● المحاكاة الساخرة (Parody).

● الترجمة : نقل النص من لغة إلى لغة.

وأخيراً..

● الأخذ : وله ثلاث أنواع : سلخ، مسخ، ونسخ.

▪︎ السلخ : هو الإلمام، وهو تداخل حواري.

الحواريّة (كما ذُكر سابقاً) هو التفاعل بين النص والقارئ. وفي حالة السلخ يترك النص لدى القارئ انطباعاً مشابهاً للانطباع الذي يتركه النص الذي أُخِذ عنه.

كيف يتحقق ذلك؟ .. بإلمام الكاتب بروافد العمل السالف مع تحطيم أي شكل للسلب، سواء في الشكل أو في المفردات، وهذا الأخذ يُعتبر إبداع فنّي.

▪︎ المسخ : هو الإغارة، وهو تداخل امتصاصي.

هو الاعتراف بالنص الأصلي والامتداد به، مع إضافة بعض التغييرات والإبقاء على شيء من النص الأصلي لضروريّته. هو نوع من تقديس العمل الأصلي والسعي لتجديده. وهو يحقق نوع من الإبداع لذا يُعتبر أعلى درجة من النسخ.

كما فعل جون درايدن في مسرحيته (كله لأجل الحب) All for Love - John Dryden ، عندما أخذها عن مسرحية شكسبير أنطونيو وكليوباترا، حيث أنه أجرى تعديلات قليلة وركز موضوع المسرحية على العلاقة الرومانسية، بينما ركّز عمل شكسبير أكثر على الأحداث التاريخية.

هذا النوع يأخذ شكل (التبنّي) ويكثر في السينما والتلفيزيون وفنون المسرح والإعلانات.

أما ..

▪︎ النسخ : هو انتحال، هو تداخل اجتراري للفظ والمعنى والمدلول بلا تغيير أو تبديل.

وهو فقط الذي نُطلق عليه سرقة، بينما تُصنّف كل حالات التداخل الأخرى إبداعاً أدبياً.

إذاً من الطبيعي أن يستلهم أو يأخذ الكُتاب عن بعضهم البعض ويتأثروا بأسلافهم من الكتاب والأعمال، شرط ألا ينسخوا نسخاً.

فالأدب ينمو ويتوالد في عالم مليء بكلمات الآخرين.

STR || أصول الفانفيكشن - الأدب الاشتقاقيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن