● انتزاع الهوية

103 24 18
                                    

لا ينتهي البحث تاريخياً هنا، لا يزال من المهم أن نعرف من أين أتينا بالضبط لنعرف أين سننتهي.

الصحف والجرائد والمجلات، هي إحدى شعب الثقافة التي رافقت تطور أساليب الطباعة والنشر والإعلام بشكل عام. والمجلات مالت للتخصص أكثر وفق هوى مُشتريها. فمنها العلمية والأدبية والفنّية والترفيهيّة. يُنشر فيها مقالات وأخبار عن آخر الصيحات وردود الأفعال، كلٌّ حسب تخصصه.

وازداد تخصص بعضها ليتحول إلى ما يُعرف باسم ال(Fan-zine) وهي نوع من المجلات تُنشر من قِبل المعجبين للمعجبين بعمل ما، لتبادل الآراء ووجهات النظر. وكان الإقبال الأكبر على هذا النوع يعود لمحبّي الخيال العلمي.

وأدب الخيال العلمي _كنوع أدبي يتحدث عن الخوارق_ يمكن إرجاعه (تاريخاً) إلى نشأت الأساطير نفسها. أما المواضيع العلمية _كما نعرفها اليوم_ فازدادت مع تنشّط حركة الحداثة والاكتشافات على أنواعها. فالاكتشافات والاختراعات هي من وسّعت أفق الكتاب وألهمتهم لإنتاج قصص جديدة في المحتوى والتي بدورها ألهمت جمهور القراء.

■ ألهمت؟

أجل، أوقدت أعمال الخيال العلمي المخيلات الخصبة لدى جمهور هذا النوع ونشاطَه للإنتاج الفني، فظهرت مجلّات الميديا (Fan-zine) والتي لم تكن تحوي مقالات بقدر ما تحوي من أعمال تحويلية متأثرة من رسوم وشعر، و نقاشات بشأن آخر الإصدارات وكتابات نصية (قصص) تُقلّد وتحاكي أسلوب وموضوع القصة الأصل التي ترتكز عليها المجلة. 

الرسم والشعر لم يتضارب مع العمل الأصلي بالطريقة التي تضارب فيها النص التحويلي المكتوب.

وللتفريق بينه وبين النصوص الاحترافية الأصلية أُنشئ مصطلح (فان-فيكشن) عام 1939 كمصطلح ازدرائي من قِبل مجتمع الخيال العلمي نفسه للإشارة إلى النصوص غير المحترفة وغير الناضجة.

ثم ثبتت التسمية عام 1944 عندما أدرجها
John 'Jack' Bristol Speer
في كتابه
Fan-cyclopedia, Lexiconic Fandom Handbook
كتاب يجمع مفردات أُصطلِحت وتداولت بين الجماعات الفنيّة.

إن شهرة هذه الكتابات ازدادت مع ازدياد شهرة أعمال الخيال العلمي نفسها كعمل The Man FROM U.N.C.L.E -1964-1968
وتفجّرت مع بداية الجزء الثاني من المسلسل التلفزيوني Star Trek في سبعينات القرن ذاته.

وتُعتبر أحد مجلات الميديا الخاصة بمسلسل Star Trek أقدم وأول ظهور لقصة من نوع (Slash) أي قصة تجمع بطلين من جنس واحد في سياق رومانسي مخالف لما جاء في العمل الأصلي، وكانت عن شخصيتي Krik/Spock وقد حرّض نشر هذه القصة آنذاك نزاعاً ومعارضة كبيرة بين أفراد قاعدة المعجبين (ال Fandom).

■ هل الفانفيكشن أمريكي فقط؟؟

في ثمانينيات القرن العشرين بدأت الكتابات الاشتقاقية تزداد ظهوراً في اليابان مأخوذة عن أعمال المانغا (القصص المصورة) الشهيرة هناك.

وعربياً، حافظت المنشورات والمجلات العلمية والفنية على محتوى أكثر إلتزاماً وجدّية كونها جزء ثقافي نهضوي أكثر منها ترفيهي.

ولم يُساعدني البحث _الذي اقتصر هنا للأسف على شبكة الانترنيت فقط_ في إيجاد اسم واضح وصريح ورسمي لقاعدة تلتف حول عمل أو فنان سوى أول جمعية فنية في تاريخ العراق الحديث.

جمعية باسم (أصدقاء الفن) المؤسسة أسوةً بالفنانين الأوربيين سنة 1941، أوجدها (أكرم شكري) بعد عودته من لندن مُتشبعاً بهذه الفكرة.

مع العلم أن الفن العربي في تلك الحقبة أنشأ قواعد جماهيرية ضخمة لا يزال أثرها حاضراً.

وجيلنا يذكر الهوس الذي حمله الشعب تجاه الحفلات الغنائية والمطربين والشعراء والأفلام المصرية ونجومها. إلا أن هذا الشعب لم يملك الرفاهية الكافية للتكتّل والتجمع والانتظام في مجموعات رسمية (Fandoms).

كما أن الخيالات المتعلقة بالمشاهير أخذت شكل الإشاعات المُتداولة على الألسن والصحافة والتلفيقات (التي دمجت السياسة بالفن) أكثر من اتخاذها لشكل النص والقصة، ربما يمكن عزو هذا لتدني مستوى الثقافة والتعليم العام.

طبعاً، عدا عن أفراد وجماعات صغيرة من الطبقة المثقفة ممن قدّموا الدعم والتمويل وأقاموا الحفلات والمعارض والندوات والمنشورات، مُشكلين فيما بينهم جمعيات فنية غير رسميّة (وفقاً لما وجدته).

واستمرت هذه الظاهرة (التعصب والحب الشديد لفنان) منذ الثلاثينيات إلى أوائل السبعينات من القرن العشرين.

وبعد تطوّر سريع في الثمانينيات، دخلت الحداثة وشبكات الانترنيت لتنقل كل نواحي الحياة إلى مستوى أعلى من السهولة والعالمية والحرية.

والكتابة الاشتقاقية ليست استثناءً. بل لعلّ هذا التطور كان الأكثر تأثيراً في نقاط عدة سيتم مناقشتها خلال هذا الكتاب.
____________

منشن + ⭐👇

STR || أصول الفانفيكشن - الأدب الاشتقاقيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن