الجزء الخامس : الخديعة (محمد الجوهرى)

110 9 0
                                    

(لقد عاد إلى جناح الزوار يا سيدي...)
همس (قاسم) بتلك الكلمات في أذن سيده (عرّام) أشهر السحره السفليين و الذي يتوافد عليه العوام اعتقاداً منهم في قدرته على تحقيق أحلامهم... لم يكن من اليسير أن يلتقي الراغبين بالشيخ (عرّام) – كما يطلقون عليه- بدون واسطة و اتفاق مسبق و إلا سوف تقبع على قوائم الانتظار لعدة شهور...
فالشيخ المبروك يغيب لفترات طويلة في خلوته في الصحراء و يعود محملاً بالأحجبة و الأسحار التي لا تخرج عن كونها بغرض الإيذاء أو التفريق أو وقف الحال أو منع الذرية أو تسليط الجن ليحيل حياة أحدهم إلى جحيم لا يطاق...
كما يهتم (الشيخ) بنوعية خاصة من مريديه من النساء اللاتي يترددن عليه بغرض علاجهم من تأخر الإنجاب أو تأخر بناتهن في الزواج... و دوماً ما يكون العلاج هو أن يحل أحد ملوك الجن في جسد الشيخ ليقيم علاقة مع المرأه أو الفتاة في أحد المقابر المهجورة المتاخمه لمقر الشيخ (عرّام)...
بخلاف الكشف عن الآثار و الكنوز المدفونه التي حققت له أرباح طائلة جعلت جميع المترددين عليه فقط من فئة الأغنياء و علية القوم الذين يستطيعون تحمل تكاليف الأسحار و الخدمات التي يقدمها...

ألتفت (عرّام) إلى (قاسم) قائلاً في لهفة...
عرّام : هل هناك جديد فيما يخص تلك المهمة التي يقوم بها؟؟
قاسم : لم يتحدث معي على الإطلاق... بل لم أراه و هو يدلف إلى جناحه يا سيدي... أنا لا أدري لما نتكبد كل هذا العناء و التكاليف من أجل إرضاؤه و تنفيذ تعليماته... و هل هو بشر مثلنا أم هو من السادة السفليين؟؟  
عرّام : لا تكثر السؤال يا (قاسم)... و إياك أن تضايقه بأي طريقه... لن نتحمل غضبته علينا إنه ربيب أسياد الماء السفليين و (إبليس) ذاته كان يوليه اهتماماً جماً... لقد حضر في خلوتي و منحني العهد و الأمان و سوف نجني من خلفه الكثير...
قاسم : كما تأمر يا سيدي...

كان تلك الهمسات يتم نقلها حرفياً إلى أذني (ليث) المستلقي على فراشه جامد الملامح في جناح الزوار بمقر المشعوذ (عرّام)... كان له بعض الخدم من الجن الذين استطاع السيطرة عليهم و تسخيرهم بسهولة لأداء مثل تلك المهام البسيطة... قام من فراشه في جمود ليتأمل مشهد المقابر و عالم البشر من نافذة غرفته و هو يجتر ذكرياته المؤلمة...
سنوات عمره قضاها في مملكة اللهب الأحمر تحت حكم (أروشان) في ذلك القصر المنعزل تجاب جميع أوامره و طلباته... يتعلم السحر و يكتسب القدرات من سحرة المملكة... يلقنه الجميع درساً واحداً لا يتغير... أنت البطل المختار دون عن بقية البشر.. أنت من ستملك الأيقونة و تعيد مُلك عالم الجن و عالم الإنس إلينا و تكون ولي عهد الملك (أروشان)... حتى (إبليس) ملك الشياطين كان يشجعه و يغرقه بالهدايا...
حتى جاء ذلك اليوم الذي اكتشف فيه سحرة و عرافي المملكة أنه ليس صاحب النبؤة ولا بطل الأسطورة... و أن له أخ في عالم البشر هو الذي نال تلك المكانة... تذكر نظرة (أروشان) إليه بخيبة أمل وأزدراء... تذكر فقدانه كل المزايا و معاملته كبشري عديم الفائدة...
لقد تنامى في قلبه الحقد و الكراهية لأخيه الذي لم يعرفه و لم يره من قبل... توغل بغضه للبشر جميعاً في وجدانه و عروقه... و اتخذ قراره الذي لا رجعة فيه... سوف ينتقم منهم جميعاً و يثبت للملك (أروشان) و عالم الجن جميعاً من هو (ليث)... سيحصل على تلك الأيقونه و ما تحويه من قدرات حتى لو اضطر أن ينتزعها انتزاعاً من رأس أخيه... وتسلل إلى اليابسة هارباً من عالم الجن و من نظرات المحيطين به...
لقد بدأ تنفيذ خطته... سوف يقلب العالم بأسره ضد (معاذ)... سوف يجعله طريداً من كل العوالم و مطارداً من كل الأجناس... حتى يلقاه  في النهاية ليأتي راكعاً تحت قدميه... و حينها سوف يحتل مكانته الحقيقة وسط عوالم الجن و الإنس و سوف يدين له الجميع بالولاء... و اليوم بدأت خطوته الأولى و أصبح (معاذ) قاتلاً مجرماً طريداً للعدالة في عالم البشر...

حيث لا ترونهمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن