|٥| التحدي الخامس.

11.3K 634 547
                                    

هل أنتم من النوع المُتحفِّظ لأسراره ولا يحب إباحتها لأحدٍ مهما كان مدى ثقتكم به أو مدى أمانته وقُربه منكم؟

أنا لديّ أسراري التي أحفظها بعيدًا عن الناس، بعيدًا عن البشر، لمْ أُخرِجها لأحدٍ سوى مذكِّراتي التي بدأتُ كتابتها منذ أن أصبحتُ في الثانية عشرة من عمري، هل ستقولون أنّ هذا وقتٌ مبكِّرٌ؟ سأجيب بأنّ نموِّي الفكري بدأ سريعًا، كنتُ أقرأ منذ صِغري، بدأتُ الاهتمام بالقراءة والثقافة من الكتب وليست الروايات فقط في سنّ الثامنة، هل تصدّقون هذا؟ طفلةٌ في الثامنة من عمرها تقرأ كتب التنمية البشرية الإنجليزية والفرنسية الثقيلة التي لا يعِيها سوى العشرينيون فما فوق؟

أجل، أنا هذه الطفلة التي بدأتْ تتثقّف مُبكِّرًا جدًا، وهذا الأمر كان الأروع على الإطلاق بالنسبة لي، ولكنّه كان الأسوأ بالنسبة لوالديّ.

فقراءتي لتجارب البشر الأجانب في كتبهم ورواياتهم منذ صغري أشعلتْ شغفي لتجربة هذه الأمور، حتى أنني في الثانية عشرة من عمري عدتُ لوالديّ أخبرهم أنني أصبح لديّ حبيب. نعم، ذلك المصطلح الغربيّ المُنافِي لعقيدتنا وديننا الإسلاميّ، وتلقيتُ الإجابة في صراخ والدي بي حتى أرعبني وبكيتُ ذلك اليوم إلى أن جفّتْ دموعي، وحينها فقط عثرتُ على دفترٍ قديمٍ كثير الأوراق بأحد أدراج خزانة ثياب والدي، كانت أوراقه فارغة بيضاء، وبدأتُ أنا بملئها بكلماتي، وكان هذا أول دفتر مذكّرات لي.

وفي ذلك اليوم بالأمس، دخل والدي لي الغرفة، وجدني أبكي فتنهّد بقلة حيلةٍ ووضع كيسًا بلاستيكيًا بجانبي ثم خرج سريعًا وكأنّه متوتر، حينها وبفضول الطفلة بداخلي فتحتُ الكيس لأجده مليئًا بالحلويات والمأكولات السريعة والمشروبات التي كنتُ أحبّها، وبهذه الطريقة حاول والدي مُصالحتي، حاول التكفير عن ذنبه بالصُراخ بي بتلك الطريقة.

فتقبّلتُ الأمر بعقل الطفلة وسامحتُه وعدتُ لمصالحته، بدلًا من الجلوس والحديث معي، بدلًا من إخباري بأنّ ما فعلتُه بالحصول على حبيبٍ في هذا السنّ أو التفكّير في استباحة خُلوة الذكور بهذا الشكل خاطئ ومُحرَّم، بدلًا من توعيتي دينيًا وبهدوءٍ وأنا في ذلك الوقت كنتُ منفتحة العقل مستعدةً لقبول جميع المعلومات والتنبيهات، صالحني بتلك الطريقة بعدما اعتبر صراخه ذنبًا أنّبه ضميره لأجله؛ فقد كنتُ وكما يقولون "مُدلّلة والدها".. وما زلتُ حتى الآن.

هذا خطأٌ يقع فيه معظم الآباء والأمهات، خطأ الصُلح دون التنبيه والتوعية، خطأ عدم الجلوس مع صِغارهم وفتح عقولهم لما هو سيءٌ ومُحرّمٌ لهم منذ صغرهم، خطأ ترك أبنائهم دون رقابةٍ في ظلّ انتشار هذه التكنولوچيا الحديثة، خطأ تركهم يعيثون في الإنترنت دون مُراقَبةٍ.

تلك الأخطاء التي جعلتني مُتحرِّرةً لأبعد الحدود منذ كنتُ بـسوريا، وقد تتساءلون ما علاقة كوني بـسوريا بتحرُّري؟ إنها سوريا، دولةٌ عربية كبقيّة الدول. وسأجيب بأنّ الموقع ليس له علاقةٌ بأي شيءٍ، الفساد بعقل ساكِن هذا الموقع.

صراحة أم جرأة؟ (الكتاب الثاني). ✔️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن