05

38 7 0
                                    






تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود فتأطمت مواريا لحن الشجى المعزوف على أوتار الرذائل ذوات الدنس  ، كنّست فتائت الكسور البليغة و رحت أقدم على ترميمها مستعينا بجمال الرؤية التي تهت في جمالها قبل سويعات مضت.

معطاءة أطلت عليّ بجودها و حلاوة لسانها رابتة برهف كفها على فروة رأسي السقيم ، أبديت لها لوما بعدما إحتدمتُ غيضا من تخليها عن وحيدها تاركة إياه ينزل ليقبل قعر الحضيض ، أنبتها بخشونة رجل أجاد الكتمان بعدما خذله النطق بالكلام ، جثوت بصلابتي قبالتها ألتمس عطفا كان حلاّ لي بكلّه ، تزين ثغرها بإبتسامة فرت من حسن الجنان ثم قالت بنعومة.


"عسى أن يكون الفرج قريبا بٌنيّ " 

خفتَ همسها و  تلاشى ما حاكه فكري عن حلتها الملحّفة بعفة الروح و قداسة الفعل ، لألتقي و نفسي بمحفل وداع يتراكض فيه كل إرب مني على القنوط.  






   تنهدت الأسى ثم مددت يدي لتقع على كوب الماء المتموضع على مقربة مني لعلي أرتوي فتخمَد ألسنة النار التي سُعِّرت بفؤادي .

دخل عليّ أمين المساجين و قد رانت عليه الخمر فأضحى  يحكم التمايل تارة لليمين و تارة للشمال ممّ زاده قبحا ، اجتاحني خبث ريحه فأمسكت نفسي عن الهياج ضده محيلا تجهمي لسكون عاصف ، لزمت الرقعة التي احتوتني بعدما تتابع دلوف من يجيدون الإسترقاق و هم يحملون ما يكبلونني به ، بيوم قُرِّرَ أن يتحدد فيه مصيري و تُعلن عن عاقبتي للملأ.



انكشفت هزالة بنيتها و هي تقرع بخطوها صوبي مرتدية جمود المحيا و ثبات القلب  و كأنها إمرأة بألف روح رجل . لتفرق شفتيها للحديث.

"أودُّ الإنفراد به " 

أزيز أعلن عن انصراف الكل لأبقى و إياها نبرع في إلقاء حروف خرساء تروي فواجع ما تخوضه الأفئدة  و كأننا مقدران لتبادل النفور على وقع ساكن .
اكتفتْ من ذلك ثم دنت تحط رحالها على سريري المهترئ لأبسط جسمي و أقوم بالمثل ، حدقتيها البراقتين جابتا المكان لتستقر على الحائط المشقوف الذي كان أوفى منصت و أعظم أمين .

اقتربتْ أكثر لتلقي نظرة عما كُتِب عليه ، شدّ انتباهها جمل مم خطّت أناملي بلحظات مقفرة افتقرتُ فيها للتلفظ بخواطري لبني البشر. ثم شرعت بترديد السطر تلو الآخر هامسة.

"ليت النعاس يغشيني أمدا طويلا على أمل أن أجازى مرتاحا بالنعيم" 

"إني لأُجاد إلى لقياك في أجمل ملتقى .. رُبما  " 

برشمت لي و مقلتيها لا تبرح خاصتي ، بسُطَ وجهها حيرة و تقطَّب حاجبيها و كأنها تطلب تبيان الأمر .

استقبلت تفاصيلها مستبشرا بالوقوع  في كبائر المعاصي  ، بَصُرت بها متناسيا كوني أخيذا و مرغما على ملاقاة الدجى ، تبضَّضتْ حقي و استوفت القليل منه عندما ضمت شوق عيناي حدّ البِطنة .

ألا ينبغي أن يبغَّ الدم بي و أشن عليها كمًّا عظيما من البغضاء كما تبرع هي؟
ألا ينبغي ألا يبْغٍ قلبي على كُليّ و أنا الصامد الذي ما عرف رضوخا للظُلاّم ؟
ألا ينبغي ألا أبلج بها و ألاّ أُسرّ بهكذا لقاء ؟

تبكم علي الكلام متخذا من توقي لها ذريعة للصمت إلى أن  قررت هي حرمي منها مشيحة بوجهها للجانب الآخر متكلمة بخفوت.

" تدّعي البرائة و كأنما لم تزهق روحا و تكسر بخاطر نفس. هل لك آخباري بما في خلدك؟" 
رفعت رأسي للأعلي مرتديا عزتي الموقرة المنسابة ثم نمقت صوتي لأقول بنبرة مالت للإستهزاء.

"الإنصات لأباطيل الكلام سيهدرك وقتا " 

استدارت بكلها صوبي بسخط بليغ لا يليق بإمرأة بمقامها .

"أنتَ آخر إنسيّ  يحق له الحديث عن الباطل ، ألم يكفك شرّ ما لحقته به ؟ أضحيت ألّقب باليتيمة بسبب ما أقدم عليه جور يداك ، كيف سوّلت لك نفسك البذيئة الأخذ بطهارة روحه و قد كان شهما ذي رفعة و إنصاف لم يعهده من سبقوه في الحكم؟ 
 ألا ترى أنك آثم كفاية لنيل أشد أنواع العقاب يا سجين ؟ " 

لهاثها ثار معبرا عن أوج غيظها ، كافحتْ في شد أزرها و إخفاء اللآلئ المتشكلة بداخل فجوتيها إلا أنها حررتها بعدما احتدم تشابك خيوط مشاعرها الهشة. 

انقدتُ خلف غريزة الحنية تجاهها مطيعا ما أملاه عليّ باطني من حمق ، ترردت في تطويقها و قد عارضني كبريائي بشدة إلى أن رضخت له  فارا من المكان الذي احتواني و إياها ،مناديا على الحارس ليسوقني للمذبح و أضفر بالخلاص من عدم استقرار ذاتي و أنا جالس قبالتها .

أَصْفَاد بكين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن