14

23 6 0
                                    

ترفّقتُ على الخليل الذي كان مُنصت شكواتي الوحيد و قد تمكن الأرق مني للحد الذي ترك فيّ وصمة مرض أجهله ، ضممتُ جسدي ببعضه عسى أن أتوقف عن الشعور بالموت و هو يجتاحني ، شغلت بالي عن هذا الأمر و رحت أُقْبِل على صفحات ضمّت سلاسل من كتاب الرجل الشهم قبل دلوفه لمقبرة المخلوق في حياته الدنيا، أين عرف عيشا رابغا.

ترددتْ لي صورتها في أول لقاء لي بها ، إمرأة مرهوفة البدن و  بنعومة القطن، قَدُمت بغية الإشراف على جماعة من المتدربين المتخرجين حديثا ، شهدتُ خفوت رُنائها و هدوء أفعالها ، استخلصتُ أنها تتَّسم بعكس ما قد يوحي إليه جُهرها الحسن ، أدّت مهمتها على أحسن وجه دون أن تزلّ يوما بإبداء دلل الشابة اليافعة القابع بداخلها فهي لست ممن  يشبكون الأمور ببعضها ، لم يربطني عملي الدؤوب يوما عن استراق النظر إليها خلسة و قد أحكمت بذلك رميى بسهام هواها مردعة إياي أتوق للمزيد من هنيهات تضمها وحدها ، اعتبرت ذلك بمثابة نعمة فارهة فهي تعود على روحي بالنفع ، ضربت وعدا لنفسي أنني سأتقدم لها ما إن أنتهي من ترتيب ما هو غير مرتب ،فأنا رجل أحسم و لست ممن يجيدون اللهو بالمحرمات،  بعدها بزمن قليل أقدمت بأول رتوة نحو ذلك و اشتريت قطعة خالصة .ما لم يكن بالحسبان أن تضل  بداخل صندوق مؤصد بقية العمر .



قاطع خلوتي بنفسي دلوف مكتنز الشحم ، ساجد المنخر و كأن روحه تقتصر على سالبة قلبي ، ظهرت بنية جسدها الضئيل من ورائه فيضطرب كُلي كأنه رمح رَعَّاس يترصد بأبدان العدوّ فيطيح بهم صرعى ، استفسرت بخلدي عن سبب تلبية زيارتها لي هذه المرة أيضا ، حُري بها أن ترقص على أنغام الإنتصار لا أن تخدش في عثرات الماضي فقد تأخر الأوان بالفعل .

"لقد اكتشفت جزءا ممّ خُفيَ و لازلت أسعى جاهدة لبلوغ تكملة القصة" 

قالت بعدما رحل الرّقيب ، قطبت حاجباي ثم قلتُ .

"هليّ أعرف ما الذي توصلتِ إليه؟" 
أشاحت بوجهها للطرف الآخر من الغرفة و قد شَرِق وجهها ، خُيل لي أنها ربما قد اكتشفت قناع والدها و قد أكدت لي و هي تنبس بهمس.

"شيئا فضيعا عن أبي"

سَعلتُ بعدما ضاق صدري حزنا عليها .
رجنتْ بالمكان قربي ثم ربتتْ على ظهري و قد أبدت قلقا أو ربما شفقة على حالي .برحتُ البقعة بعدما نزعتُ كفها برفق ثم تكلمتُ بحزم.

"لست بحاجة لإلتماس دفء شفقتك لي جين ، أنا رجل و يهينني هذا لذلك توقفي رجاء"

تداركتْ خَطوي و قد وقفت قبالتي بوجه متجهم ، لست أدري ما الذي يخطر ببالها فهي ترمقني بشرارات دون إلقاء حرف كأن الكلام رَتج عليها فصدَّها.

تسللتْ حدقتي تُحْكم التغزل بما أجادت السماء صنعه دون رغبة مني ، غرّة شعرها طالت فقبّلت ناصيتها بلطف ، مِرثمها متوسط حاد و قد اكتسته بعضا من حمرة الغضب النازحة من وجنتيها ، رفيف ثغرها أمسكني عن برحه و قد تركني كل هذا مسلوب العقل .

أخفضتْ مقلتيها أرضا بعدما اكتفتْ من عرض تجهمها عليّ ثم تكلمَتْ بخفوت .

"لست أشفق على أيّ أحد ، أنا فقط تداركت خطيئتي بعدما عرفت أنني وقعتُ في مرموسة من أمري ،أخطأت في تقديرك كروْسِ سوء و أستحيى بشدة من  طلب الغفران "

تنهدت مواريا خيبتي بها ثم قلت و أنا أبتسم بآخر حديثي.

"ذلك لأنك سمعت رقص الناس عليّ دون الأخذ بمشورتي جين" 

دنتْ مني و قد انسجل الدمع من عينها ثم قالت بجهارة صوت    .

"لم لا تنفك عن جعلي أشعر بتأنيب الضمير؟ لم لا ترمي بيدك لمساعدتي في الأمر ؟ أنت تجهل كم من ليال سهرت في سبيل التحقيق في قضيتك و الوقت يضيّق علي و يخنق أنفاسي، أليس بجعبتك ما استدِلُّ به ؟ أحياتك بهذا الرُّخص؟
فقط ردّ علي ! "

مسكتُ رسغها بعدما شرعَتْ بجعل جسدي يرتدُّ للخلف إثر ضربات قبضتها ثم صرختُ بوجهها قائلا.

"أتخالين أنني مسرور بجعلك تتلقين عذابا هكذا ؟ و اللعنة علي ، أنا أخشى عليك من نفسي حتى، أحكمتُ إطباق شفتيّ عن حقيقة والدك في سبيلك فقط حتى لا تضطربي و ترتدِّي عن الحياة "

زفرتُ أنفاسي بتثاقل و أنا أجحِّمها بعينيّ ، انفلت كل شيء مني راسما طريقه على لساني و قد ندمت بالفعل على ذلك .

زحلتُ عنها أوليها بظهري فأنا لا أقو على مجابهتها بعد الآن ، أهنتُ نفسي بنفسي و لست راضيا على ما أقدمتُ بفعله.

أَصْفَاد بكين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن