أنا ذلك الطفل مسلوب البرائة … أنا من غدرت بي الحياة … انتظرتني حتى أطبقت جفناي … فكشرت عن أنيابها … كنت طفلا في الخامسة من عمري … بريئا … لطيفا … حركيا ومشاغبا … محبوبا طيب القلب … لم أعرف يوما معنى الكره والظلم … الأنانية والحقد … القسوة والعنف … تلك المشاعر السلبية لم يكن لها مكان في قلبي البريء …
كانت ليلة هادئة … نائما بسلام أحلم بمستقبل مشرق … أنتظر زقزقة العصافير ليبدأ يومي … لألعب مع أصدقائي … ولكن بدلا من ذلك … استيقظت مفزوعا على صوت طلق الرصاص … انفجار القنابل … ارتطام الصواريخ بالأرض … تحطم المنازل … حركة الجنود …بكاء وعويل من كل الأعمار تتخلله ضحكات شيطانية … ركض من كل الاتجاهات …
" أمي … أبي " … صرخت بها بخوف وذعر … سمعت صرخة أبي المتألمة … مع صوت إختراق الرصاص لجسده
أهــــرب …
أنجوا بحياتك بني
بدلا من ذلك … توجهت لمكان صوته …تجمدت مكاني … أبي ممدد على الأرض ورصاصات ملئت جسده … غارق في بحر دمائه … لفظ آخر أنفاسه بإبتسامة تعلوا وجهه …
خرست من الصدمة … تجمدت مكاني لم أقوى على الحراك … لاحظني أولئك الرجال … من هؤلاء أعداء لقريتنا ? … قريتنا مسالمة كيف يكون لها أعداء ?
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أطير في الهواء إثر ركلت أحدهم … وجه آخر مسدسه نحوي … أغمضت عيني منتظرا نهايتي …
ثانيــــة …
اثنتان … ثلاث
لاشــــــــيء … حرفيا لاشيء
فتحت عيني ببطئ … لتتسع بذعر وصدمة … " أ أمي !" … بذلت جهدا جبارا لنطق هذه الكلمة البسيطة …
كيف لا وأمي استقبلت الرصاصة بدلا مني ? … والأسوء لم ملابسها ممزقة هكذا?… عيناها حمراوتان … من اللعين الذي تسبب ببكاءها ? …
التفت إلي بابتسامتها المعتادة … وقالت بحزم … بنظرة يملئها الحزن : حبيبي أهرب أهرب بعيدا …عش حياتك يا صغيري
لم أتحرك وقبل أن اعترض صرخت: أهرببب هياااااا
ركضت وركضت … وصلت للباب … اوه عفوا … نسيت لم يبقى لنا باب أساسا المنزل محطم … قفزت خارجا من منزلي … لتزداد صدمتي … مشاهد قاتلة للبراءة … محطمة للنفوس … لن يتحملها الكبار حتى فكيف بطفل بالخامسة !? … أطفال تقتل … نساء تغتصب … رجال تمزق …شيوخ تسحق. … بحرنا وأنهارنا باتت دماءا … سمائنا أمطرت صواريخ وقذائف … أرضنا باتت حفرا وجثثا … رياحنا الممزوجة برائحة الأزهار باتت رائحتها بارود ودم … منازلنا احرقت … قريتنا أصبحت خرابا … زقزقة العصافير استبدلت بالآهات والعويل بالضحكات الخبيثة …