رد فعل مفاجئ

542 40 14
                                    

كانت المقاعد المخصصة لانتظار نهاية العملية ممتلئة عن آخرها ، و كيف لا يقلق الناس و أفضل مفتشين فى إسطنبول يصارعون ليبقوا على قيد الحياة ؟! ، عم سكون مريب على باقى الفريق ، إنه الهدوء الذى يسبق العاصفة .
خرج الطبيب من أول غرفة و هو يخلع قفازاته ، نظر له الفريق بترقب ، لكن ملامح الطبيب اليائسة لم تكن تبشر بخير أبدا ، و قد تأكدت شكوكهم حينما قال الطبيب بنبرة حزينة :
- لقد .. فقدنا المريض .
خيم الصمت مجددا ، لكن هذه المرة كان الجميع يحاول تقبل الصدمة نهضت نفس الفتاة - التى كانت ترافق جويرية - و سألت للطبيب بصوت غلبه البكاء :
- من ؟
اجابها الطبيب :
- إسماعيل مصطفى .
شعرت كأنها دخلت إلى دوامة ولا تستطيع الخروج منها ، لم يستوعب عقلها ، كيف يحدث هذا ؟، أفاقت من صدمتها وانهارت ، شدت ياقة الطبيب و صرخت به :
- انت تكذب على بكل تأكيد ، إسماعيل حى و انت تخدعنى .
لكنها سرعان ما تركت الطبيب و شرعت في البكاء و هى تقول :
- ارجوك قل لى أنه لم يمت ، ارجوك .
اخذت تبكى بهستيرية حتى وقعت مغشيا عليها، نقلوها إلى غرفة الطوارئ ليتمكنوا من افاقتها .
...............................................
فى العاصمة التركية ( انقرة) كان هناك شاب فى أوائل الثلاثينات ، يرتدى بذلة أنيقة سوداء و تحتها سترة رمادية ، أسمر البشرة و يمتلك لحية خفيفة ، شعره أسود كعينيه ، يمتلك غمازة واحدة على خده الأيمن ، كما أنه كان جذابا جدا أو كما يقال « كاريزما » ، جاءه صوت صديقه يقول له :
- غيث ! ، لماذا أتيت فى تلك الساعة المتأخرة ؟ ، هل توجد اية مشكلة ؟ .
نظر له بملامح باردة ثم قال بغموضه المعتاد :
- هل ايقظتك ؟ .
- لا .
- إذا ما المشكلة إن أتيت فى ساعة متأخرة ؟.
ضيق صديقه عينيه و قال :
- لماذا تفلسف الأمور بهذا الشكل ؟ .
قلب غيث عينيه و قال :
- هل ستدخلنى ام لا ؟
- تفضل .
جلس الإثنان على الأريكة ، بدأ صديقه بالدردشة فكانت نظرات غيث الغامضة هى ما يجيبه ، لقد اعتاد على غموضه المعتاد فلم يعد يهمه ، لكنه يكاد يجزم أن صديقه ليس على ما يرام.
..............................................
فى غرفة ما فى المستشفى كانت الممرضات تتهامسن و هن ينظرن بشفقة للفتاة التى تنظر بعيدا الى اللا شئ ، قالت احداهن :
- مسكينة هى ، حقا اشفق عليها .
تنهدت الاخرى و قالت :
- و انا ايضا ، تصورى أن عرسهما الاسبوع المقبل ، اعنى كان سيكون الاسبوع  المقبل .
قالت جملتها الاخيرة بحزن ممتزج بشفقة ، فأجابت عليها الفتاة و قد اعتدلت فى جلستها قائلة بصوت خفيض حزين :
- لقد سمعت حديثكن .
ارتبكت الممرضتان و قالت احداهن :
- اعتذر سيدتى لم نكن نقصد احزانك .
اخذت نفسا عميقا و قالت :
- لقد كان إسماعيل رجلا رائعا ، كان مثل اخته تماما ، متمسكا بنجاحه ، حريصا على دينه و ملتزما بتعاليمه .
نظرتا اليها فى شك ، فلم يضعوا تشابه الاسماء فى الحسبان ، فقالت الفتاة بابتسامة مصطنعة :
- بالمناسبة ، اسمى هو شمس ، اقرب صديقه لجويرية مصطفى و خطيبه اخاها اسماعيل مصطفى .
ثم خفتت ابتسامتها تدريجيا و تمتمت :
- رحمه الله .
قالت لها احدى الممرضات بتسرع :
- كنا نحسبك زوجته و كنا ننتظر افاقتك لاتمام اجرائات الدفن .
ابتسمت شمس بمرارة ، فتابعت الممرضة :
- هل تعرفين احدا من عائلته غير السيدة جويرية ؟.
أومأت شمس و هى تقول :
- توجد جدته و اخته الأخرى ، يمكننى مهاتفتهم .
فسارعت الممرضة بالرد :
- برأيي لتتولى ادارة المستشفى هذا الامر ، فحالتك النفسية ليست جيدة .
ابتسمت شمس بمرارة و قالت مصممة على رأيها :
- على القيام بذلك بنفسى .
أومأت الممرضتان فى استسلام و خرجوا ، امسكت شمس بهاتفها و كونت رقما ثم اتصلت جاءها الرد بعد لحظات من صوت عتقه الزمن فأصبح دافئا مطمئنا :
- الو ، شمس كيف حالك يا ابنتى .
لم تستطع شمس حبس دموعها فقلقت السيدة قائلة :
- ماذا هناك يا ابنتى هل كل شئ على ما يرام ؟
ازداد بكائها و هى تقول :
- لقد مات إسماعيل يا جدتى .. لقد مات .
اجابها الصمت من الجهة الاخرى فقلقت و اخذت تنادى عبر الهاتف قائلة :
- جدتى .. جدتى صفية ، هل انت بخير ؟.
لم يأتها الرد فقلقت اكثر حتى جاءها صوت رقيق فزع :
- شمس ، ماذا هناك ؟ ، ما الذى يحدث ؟.
- هل جدتى صفية بخير ؟
- لا .. لا اعلم ، انها مصدومة ولا اعلم ماذا بها .
ازدرت لعابها و قالت :
- لقد .. مات إسماعيل .
صمتت الفتاة قليلا ثم قالت بنبرة حاولت الحفاظ عليها ثابتة :
- إنا لله وإنا إليه راجعون .
ثم اردفت :
- هل جويرية تعلم ؟.
قالت شمس و هى متعجبة من ثباتها :
- جويرية هنا فى المشفى ايضا ، انها مصابة ، لكن لا تقلقى يا ايناس ستكون بخير .
قالت ايناس بنبرة اقرب للبكاء منها الى الثبات :
- ان شاء الله ، ان شاء الله لا يصيبها شئ ، لن اتحمل فقدان اخين .
ثم لم تستطع الصمود اكثر و بكت ... بكت موت اخيها و صعود اختها الى حافة الموت بقدميها ، كانت تريد دائما منعهما ، لكنهما كانا متمسكين بهذا العمل بشدة .

قلب للمحاكمة ..... بقلم منة الله عمرو أبو زيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن