فى احدى المصحات النفسية كان الطبيب يجلس على كرسيه ، يرتشف من قهوته و هو يفكر ، عليه ان يجد حلا ، لقد اعتاد على التفكير فى حل دون جدوى ، انها حالة صعبة بالنسبة اليه ، اى طبيب اخر يستطيع حلها بسرعة لكن هو ؟! ، لا .. لا يمكن ، يوجد ما يمنعه ، لكنه فى نفس الوقت لا يريد ترك الحالة ، لاسباب كثيرة ، قطعت حبل افكاره الممرضة و هى تقول له بلا مبالاة :
- انه موعد زيارتك للمرضى دكتور محمود .
أومأ لها فخرجت ، قال بصوت هامس و هو يرتب اوراقه :
- حسنا إذا ، لنبدأ يومنا .
لكنه توقف فجأة و هو يعقد حاجبيه بتفكير ، ثم قال لنفسه :
- هناك شئ ناقص فى يومى لم يحدث .
ثم التقط هاتفه بسرعة و كون رقما ما و انتظر الرد ، بعد لحظات جاءه صوتها المتعب :
- الو .
- لماذا لم تتصلى ، هل توجد مشكلة ما ؟
اجابت بصوت مبحوح :
- نعم .. نعم يوجد .
قلق كثيرا من نبرتها هذه فقال بقلق ملحوظ :
- ماذا هناك يا شمس ؟ .
اجابه البكاء .
...............................................
- انها تستيقظ .
اخبرهم الطبيب فأغلقت شمس مع محمود و اتجهت لغرفة جويرية .
فى تلك الاثناء كانت جويرية تفتح عينيها بصعوبة ، نظرت حولها بتعجب ، ما الذى اتى بها الى هنا ؟! ، اخذت ذاكرتها تعود اليها ببطء ، بعد لحظات وجدت شمس تفتح الباب بلهفة و تجلس بجانبها و تسأل الطبيب بقلق زائد :
- كيف حالها ؟.
ضحكت جويرية بوهن فلن تتغير صديقتها ابدا ، ستقلق عليها دائما من ابسط الاشياء .
عقدت شمس حاجبيها و قالت لجويرية :
- علامَ تضحكين ؟.
رفعت جويرية كتفيها بلا مبالاة :
- هذه ليست اول رصاصة لى .
قالت شمس و هى ترفع امام وجه صديقتها اصبعى السبابة و الوسطى :
- لكن هذه المرة كانوا رصاصتين و ليست واحدة .
صمتت جويرية قليلا ثم وجهت سؤالها لشمس :
- ماذا عن إسماعيل ؟ .
تجهمت ملامح شمس و اجابت بصوت خرج متحشرجا متألما :
- لقد مات .
اجابها الصمت من جويرية ، لكن بعد قليل اجابت جويرية بصوت خفيض :
- هل ... بسببى ؟
شمس بسرعة :
- لا .. لا تفكرى هكذا ابدا ، هذا هو عمره ، كونى مؤمنة .
قالت جويرية بنبرة مختنقة و وجه احمر :
- يا الله ... يا الله .
فزعت شمس من منظرها و قالت و هى تحاول تهدئة نفسها قبل صديقتها :
- البقاء لله وحده ، لقد ابتلانا الله بهذا الابتلاء و هو على قلوبنا ليس بالهين ، لكن علينا بالصبر عزيزتى .
اومأت جويرية فنظرت لها شمس و قالت لها بتذمر :
- لماذا لا تبكين ؟ لماذا ترمين بداخلك ؟
لم تستطع جويرية الصمود هذه المرة و بكت بحرقة شديدة ، بكت اخيها و صديقها ، بكت اليد التى تمتد لها لتساعدها على النهوض بعد كل محنة ، بكت مزاحهم سويا و مغامراتهم فى العمل و المنزل ، بكت فقدانها للسند للمرة الثانية بعد ابيها ، حاولت استجماع نفسها و نظرت لشمس و هى تبتسم ابتسامة مصطنعة :
- لقد كان يعشقك ، لم يكن يحبك فقط .
زفرت شمس بحزن و قالت لصديقتها :
- كنت ابادله هذه المشاعر .
ثم نهضت فجأة و قالت و كأنها قد وجدت اخيرا فرصة الانهيار فى احضان صديقتها :
- لقد .. لقد كنا سنتزوج الاسبوع القادم ، هل انت مدركة لذلك ، لقد اخذنا موعدا للزفاف ، قمت بحجز الفستان و قام هو بتفصيل بذلته ، كنا نتشارك احلامنا فى المستقبل .
ثم ارتمت فى حضن جويرية و أخذت هى و جويرية يبكين بشدة فدفعتها جويرية و هى تتألم ، قالت شمس بقلق :
- ماذا هناك ؟ .
- كتفى ايتها الغبية .
ابتسمت شمس بخفوت و قالت :
- اعتذر .
- لا بأس .
قالت جويرية باقتضاب فأدركت شمس حاجتها بالبقاء وحدها ، فاستأذنت منها و خرجت .
بعد خروج شمس جلبت جويرية مصحفها و أخذت تقرأ فيه ، ثم اغلقته و وضعته بجانبها و توضأت و صلت صلاتها و هى تدعو لأخيها بالرحمة و لنفسها بالثبات مع كل سجدة .
..............................................
وقف فى الشارع بعد لقاءه بصديقه ، الى اين يذهب ؟ ، لا يريد العودة إلى البيت ، ابتسم و لمعت عيناه ، سيذهب للعمل بالطبع .
ركب سيارته ذات الشكل الكلاسيكى ، و شغل المذياع على اغنية تركية شعبية صاخبة ، كان صامتا طوال الطريق ، لا احد يعلم عنه شئ و هذا يعجبه و يريحه ، حتى صديقه المقرب ان علم حقيقته لابتعد عنه فورا .
وصل الى وجهته بعد ساعتين متواصلتين من القيادة ، سار فى الغابة لنصف ساعة اخرى حتى وصل الى البيت الجبلى الذى يفتقر للمرافق ، كما انه بعيد تماما عن اى بيوت اخرى .
دخل الى البيت فوجد اعوانه فى انتظاره كالعادة ، نظر لهم بتشكك ، لم يعد يثق بأحد بعد ما حدث اليوم ، نادى بنبرة مرعبة على أحد مساعديه :
- أوزجان ، تعال الى هنا .
نهض اوزجان بتوتر ملحوظ و اجاب بخضوع مصطنع :
- امرك سيدى .
رشقه غيث بنظراته و سأله :
- هل مات جميع الرجال الذين بعثتهم معك ؟ .
- نعم يا سيدى .
رفع غيث حاجبيه و قال له :
- كيف ؟ .
توتر اوزجان أكثر و قال :
- قتلتهم الشرطة سيدى .
- لكن ليس هذا ما وصل لى .
نظر له اوزجان بصمت ، فأردف غيث بهدوء مرعب :
- ما وصل لى هو ان رجال الشرطة انسحبوا بعد اصابة اثنين منهم ، كما ان بعض الرجال كانوا موجودين ايضا ، و ليس لهذا الوضع سوى تفسير واحد.
هربت الدماء من وجه اوزجان ، هل تم كشف امره ؟ ، هل سيموت على يد غيث الذى لا يرحم ؟.
اردف غيث :
- لم نخسر قرشا واحدا حتى ، هل تعلم هذا ؟، لقد قمنا بالصفقة بدون علمك .
كاد اوزجان يتحدث لولا الرصاصة التى اخترقت قدمه فتأوه بشدة ، لم يكد يستوعب حتى كانت رصاصة اخرى تستقر فى كتفه ، ثم اخترقت رصاصة قلبه فسقط صريعا .
.............. .................................
فى مشفى الامراض النفسية بسويسرا ، كان دكتور محمود شاردا ، شاعرا بالضيق ، اليس كافيا انه فى بلد اخر و بعيد عن وطنه و اخته ؟! ، هل تواجه اخته الم الفقدان وحدها ؟. نهض من مكتبه و مشى فى ممر المشفى ، اتجه للغرفة رقم 11 ، و من غير هذه الحالة المعقدة يستطيع أن يخرجه من ضيقه ، طرق الباب بلطف ثم فتحه و دخل ، وجد الوضع كما هو فى العادة ، تجلس الفتاتان متجاورتان دون تبادل كلمة واحدة ، طوال اليوم لا يفعلن شئ سوى تمشيط شعر بعضهن البعض و تبادل الكتب من بعضهن البعض ايضا و اكل نفس الطعام والشراب ، جلس محمود على كرسى ما و حمحم ، فلم تلتفت اليه احداهن ، فقد كانت كل منهن منغمسة فى كتاب ، نادى على ياسمين ، فرفعت عينيها اليه اخيرا ، اخذ يطرح عليها الاسئلة و لا تجيب ، تكرر الامر مع شيماء ايضا ، نظر محمود الى ياسمين مطولا ، ترى ما الذى حدث لها الى هذا الحد ، اليس مؤسفا على هذا الجمال ان يوضع في مصحة نفسية ؟! ، اليس مؤسفا .
---------------------------------------
رأيكم في البارت و توقعاتكم للجاى ياريت تناقشونى فيها فى الكومنتات .
شكرا للتلاتة اربعة اللى بيقروا الرواية و اتمنى يعملوا فوت .
لو الرواية عجبتكم ادعمونى و خلوا ناس تقراها .
الى اللقاء القريب. 💙📝
أنت تقرأ
قلب للمحاكمة ..... بقلم منة الله عمرو أبو زيد
Diversosأنا منة الله عمرو أبو زيد . هذه الرواية هى اول محاولة لى . ............................................................ إلى صاحبات الشخصيات القوية . إلى من لا تهتم بثرثرات الجميع ب« لا كرامة فى الحب ». أنتِ رائعة و مميزة كبطلة روايتنا .