زائر ! * استباق أحداث موقت *

10 0 0
                                    

" لم أنتِ هنا ؟! "
صدرت مني شهقةُ فزعٍ بينما انتفضَ جسدي طارداً كل آثار النوم عنّي ، جسدي يتصببُ عرقاً بالرغم من صقيع نوفمبر ، عيناي المتوسعتان و أنفاسي المتلاحقة.. لم أستطع التحكم بأيٍ منها ، كما لم أستطع التحكم بقبضة يدي التي قبضت على البطانية بقوة .. دموعي تتساقط بغير إرادةٍ مني ..!
من كان ؟! ذاك الزائر المجهول بأحلامي ؟!  .. وجههُ ؟ ضبابي،  لم أستطع رؤيته و لو لمرة .. دائماً ما يقف أمامي في ذاك الظلام الدامس ، يحدقُ بي في صمتٍ ثم يفتر فمه عن جملة واحدة : " لمَ أنتِ هنا ؟! " !
صوتهُ يتردد في رأسي كصدى الصوت ! كلماته مخيفة ، و بالرغم من ذلك نبرتهُ ... حانية ، يتخللها الكثير من الحزن و ربما الخوف ... فقط لو أعلم من أنتِ !
يا زائري في المنام ، من تكون ؟!
هدأتُ و التفتُّ لجانبي أطمئنُّ على آوي و يوري و بالطبع يون الذي ما عاد يفارقنا .
انسحبتُ بهدوء متجهةً إلى الحمام لأزيل آثار العرقِ عنّي ، مرتديةً فستاناً خفيفاً ذا لون أبيض عززتهُ بسترةٍ ذات قلنسوة تسللتُ خارجةً من المنزل .. فقط لفترةٍ وجيزة ، أحتاج للخروج قليلاً .
كان منتصف الليل ، السكون يعمُّ المكان ، لا تسمعُ فيه دبيب نملة .. تركتُ قدماي تسوقانني لمكان مجهول ، في حين بدأ عصفُ الرياح يزداد شيئاً فشيئاً ، و تجمعتِ الغيوم لتتساقط قطراتُ مطرٍ قليلة بلطف و هدوء ، تضفي على هذا الليل رونقاً خاصاً ، توقفتُ حين وجدتُ نفسي خارج حدود المدينة ، أتعجبُ كيف قطعتُ كل هذهِ المسافة و بسرعة ! كانت أرضاً خضراء منخفضة قليلاً عن المستوى الطبيعي لأرض المدينة ، مساحة شاسعة خالية من كل ما ليس بأخضر ، جذب عيني لمعانٌ طفيف في الجزء الأيسر من هذه الأرض ، تقدمتُ منه شيئاً فشيئاً و يداي تلتمسان الدفء في جيوب السترة ، كنتُ كلما اقتربتُ ازداد اللمعان وضوحاً ، أكثر فأكثر ... اقتربتُ أكثر فأكثر ، حتى الخطوة الأخيرة ..
حين دخلتُ بنطاقها ، تلك البقعة اللامعة،  لا أدري كيف أو ماذا ، فقط كل ما سمعته آن ذاك صوته .. زائري المجهول : " ارحلي !" ، تعالى صوت الرياح بعدها حتى أصبح شعري يتخبط بوجهي بعنفٍ بدون قدرةٍ مني على التحكم بها ، شعرتُ بمعاداة شديدةٍ من اللامكان ، شيءٌ ما يقاتلني،  حميتُ وجهي بيداي و حاربتُ لأتقدم بهذا نفق شبيه بالفضاء الذي وجدتُ نفسي به بدون أي مقدمات ، صدرت مني شهقة بينما انتفض جسدي حين اصطدمت بجبيني قطعةُ زجاج محطمة من العديد من القطع المتناثرة حولي ، تتدافعُ تدافعاً لشدة الرياح و قوتها ، لكن ما أثار دهشتي كون كل زجاجة تحمل صورة ما ، ليست مجرد صور و لكن .. تبدوا كأنها ذكرياتٌ محطمة و متناثرة..! لا أدري كيف أدركتُ هذا ، لكن شعور قوي يجتاحني ، يحاول أن يعطيني بعض التفاسير ..
ضوء شديدُ ظهر أمامي كأنما هو إعلان نهاية الحرب القائمة بيني و بين كل ما كان بهذا النفق ، تهاوت ساقاي ما إن وصلت ، و أعتقد أنّي غُصتُ بسباتٍ عميق ، رأيتُ به ما تحمله تلك الزجاجة التي صدمتني من ذكرى قديمة بعيدة ... عن رجلٍ لطيف ، لصوتهِ لحنٌ عذب ، و له رائحةٌ مميزة ، و لمعةٍ بعينيه جذابة .. تسارعت نبضات قلبي و شعرتُ بشجنٍ في أعماقي ، و حنين ..
.. حلوٌ و مألوف..!

قدرى فى العالم الاخر  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن