ممن يحّرقهم

93 5 0
                                    


الفن مثل الحريق، يولد مما يحرقه.

جان_لوك غودار

1.

كان الفندق القديم الذي تعيش فيه بينيلوب لورينز ذا مظهر قديم وأناقة متقشفة مثل التي تتسم بها العمارات الجميلة للحي المحيط بكنيسة القديس توما الأكويني:

واجهة كاشفة وبسيطة مجردة من الزينة مبنية من الحجارة الفخمة، ورخام صقيل لدرجات السلم، وسقف عال جدا وأرضية من الخشب، أشكال هندسية، يصدر صريرا تحت الأقدام ومع ذلك،

كان داخل الشقة يتعارض مع المظهر الخارجي المتقشف للعمارة. كانت الشقة من الداخل مبهرة للأبصار ببهرجتها الفاقعة، كما لو أن مهندسا ذا ذوق رديء قد أشرف على تصميم الديكور فيها.

كانت فيها أرائك منجدة لونها وردي كغزل البنات، عليها وسائد من الفرو الصناعي تحيط بطاولة كبيرة يغطي وجهها طبقة من زجاج الحماية، وثريا مزخرفة كبيرة، ومجموعة من التحف والآنية المزخرفة والمصابيح الفانتازية .

الرجل الذي فتح الباب لغاسبار، وقد بدا عليه الحذر، قدم نفسه على مضض وبامتعاض على أنه فيليب كاريا. تذكر غاسبار أن بولين قد تحدثت عنه على أنه الحب الأول لبينيلوب.

هذا يعني أنها كانت لا تزال تعيش معه. كان المتعهد المنتمي إلى مدينة نيس رجلا قصير القامة ومتكرشا، مختلفا جدا عن عشيق بينيلوب الذي كان الكاتب المسرحي قد تخيله:

رجل حليق الشعر وله لحية رفيعة وقصيرة تنتهي عند الصدغين على شكل عقد، ويرتدي قميصا فضفاضا مفتوحا على شعر صدره الذي غزاه الشيب، وعلى رقبته سن سمكة قرش معلق بسلسال من ذهب .

كان من الصعب عليه أن يفهم أن هذا الرجل الموجود في بيتها قد استطاع أن يغوي المرأة الشابة التي كانت في أوج جمالها آنذاك.

ترى هل كان مختلفا في تلك الحقبة عما هو عليه الآن؟ ترى هل كان يمتلك مواهب وطاقات أخرى؟ أو ربما، على نحو أكثر تأكيدا، إن الانجذاب بين شخصين دائما لا يخضع لأية قواعد منطقية.

دعاه الرجل للجلوس في صالون صغير يطل على فناء داخلي، وعاد هو ليطلع على إعلانات حول العقارات في حاسوبه الشخصي من ماركة ماك-بوك الذهبي اللون.

انتظر غاسبار على تلك الحال لما يقارب عشر دقائق قبل أن تنضم إليه سيدة البيت. حينما دخلت عارضة الأزياء السابقة إلى الصالون، شق عليه أن يخفي صدمته.

كانت بينيلوب لورينز قد تغيرت إلى درجة لا يمكن التعرف عليها. كانت قد تشوهت من جراء عمليات التجميل، ولم تعد سوى صورة كاريكاتورية مشوهة عن المرأة التي كانت في شبابها.

كان وجهها الجامد صقيلا مثل الشمع ويبدو وكأنه يذوب، وكان فمها المشوه يشبه غشاء من المعي المنفوخ على وشك الانفجار،

شقة في باريس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن