خلف النور

69 5 0
                                    


3.

كان مكتب ديان رافائيل عبارة عن غرفة كبيرة واجهتها الطولية مزججة، تطل على مناظر أخاذة من باريس. من جهة، كنيسة سانت- كلوتيلد، ومن جهة أخرى، كنيسة سان-سولبيس،
وقبة مبنى البانثيون، وهضبة مونمارتر.

_ هنا أشعر بأني في مرقب سفينة للقراصنة: يمتد النظر هنا بعيدا جدا لنرى وصول العواصف والأعاصير والمنخفضات. وهذا درس عملي بالنسبة إلى طبيبة نفسانية.

ابتسمت الطبيبة لتعبيرها المجازي كما لو أنها قد ابتدعته لتوها. كما حصل في أثناء زيارتها إلى فايول، قالت مادلين في نفسها بأنها اخطأت في توقعاتها تماما. كانت قد تخيلت أنها ستكون أمام سيدة- مسنة تضع نظارة وقد غزا الشيب شعرها.

أما في الواقع، كانت ديان رافائيل امرأة قصيرة ونحيلة، نظرتها ماكرة، وشعرها قصير ذو خصلات مجعدة. بدت سترتها الجلدية الصهباء وبنطلونها الجينز المشدود وحذائها الرياضي،

كما لو أنها لا تزال تتخيل بأنها طالبة بوهيمية. كانت وضعت بالقرب من باب المدخل حقيبة ذات عجلات صغيرة .

سألت مادلين :
- هل تذهبين في عطلة؟

أجابت الطبيبة النفسانية:
- إلى نيويورك. أقضي فيها نصف وقتي.

أشارت إلى العديد من الصور المعلقة على الجدران. كانت عبارة عن صور ملتقطة من فوق، تجسد عمارة زجاجية تقع بين الغابة والمحيط .

- إنه مركز لورينز للعناية بالأطفال، وهو مركز طبي لمعالجة الأطفال وتقديم الرعاية الصحية لهم، قمت بتأسيسه بفضل شون. يقع في بلدة لارتشمونت، في شمال نيويورك، في مقاطعة ويستشستر.

_لورينز هو الذي مول هذا المستشفى بطريقة مباشرة؟

أجابت ديان، موضحة :
- بطريقة مباشرة وغير مباشرة. جاءت الأموال في قسم منها من حصيلة بيع لوحتين كبيرتين من لوحاته، كنث قد اشتريتهما بمبلغ زهيد ومن ثم بعتهما، حينما ارتفع ثمنهما، بمبلغ باهظ.

_ومن ثم، علم شون بمشروعي ومنحني ثلاث لوحات أخرى وسمح لي بوضعها في المزادات. كان فخورا جدا بأن يفيد فنه في شيء ملموس: معالجة أطفال محتاجين وتقديم الرعاية الطبية لهم.

خرنت مادلين المعلومة في زاوية من ذاكرتها، في حين كانت الطبيبة النفسانية تأخذ مكانها خلف مكتبها. غيرت ديان موضوع حديثهما. قالت وهي تدعو مادلين إلى الجلوس أمامها على كرسي من تصميم فايسيلي:

- إذا، لقد عثرتِ على اللوحات الثلاث الأخيرة التي رسمها شون. تهاني لكِ. وشكرا على صورك. تبدو اللوحات في غاية الروعة. إنها أفضل ما رسمه لورينز!

كانت غرفة المكتب بأكملها مفروشة بأثاث من طراز باوهاوس

سألت مادلين وهي تجلس في الأريكة :
- هل تعلمين ما تصوره هذه اللوحات؟

شقة في باريس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن