نايت شيفت، النهاية

103 6 2
                                    


1.

كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا، حينما وصل غاسبار ومادلين إلى المقبرة البحرية في جزيره ستاتن. كانا قد سارا في الطريق طيلة الليل،

وقد نال منهما التعب والإنهاك. ومن أجل الصمود ومقاومة النعاس، دخنت مادلين سيجارة تلو سيجارة، وأفرغ غاسبار ترمسا من القهوة.

داهمهما الثلج في الكيلومترات الأخيرة من المسافة، مغطيا الطريق بطبقة من عدة سنتيمترات، الأمر الذي أبطأ تقدمهما.

وبالتالي، دخلا إلى أسوار مقبرة بوت غرافيارد وهما يتحديان العاصفة الثلجية. كانت المقبرة مسورة بأسيجة من الأسلاك المعدنية الشائكة،

وبلوحات تحذر من المخاطر التي قد يتعرض لها من يحاول الدخول إليها، إلا أنها كانت واسعة جدا بحيث لا يمكن منع الراغبين في الدخول إليها من ذلك.

كانت الذريعة الاكثر ردعا هي الروائح التي تفوح من المنطقة. كانت هي التي تصدمك أولا: روائح مقززة تفوح من الأسماك الفاسدة والطحالب المتفسخة.

رائحة تلوث الجو، وتثير لديك الغثيان لا يمكنك أن تعي تماما المشهد وجماله، الغريب والمتناقض، تجعلك تدوخ

إلا بعد أن تكون قد نجحت في التغلب على اشمئزازك الأول. وسط سماء رطبة بكربونات الرصاص، يمتد مشهد من نهاية العالم.

منطقة برية، متروكة، يغزوها حطام آلاف السفن. مراكب متعفنة ومنغرسة وسط الأوحال، وهياكل سفن، وقوارب غارقة في الطين منذ عقود من الزمن،

وسفن شحن صدئة، وسفن شراعية تصدر صواريها قرقعة، وصولا إلى هيكل سفينة بخارية خارجة من المسيسيبي .

كان الأفق فسيحا وفارغا. لم تكن هناك روح حية في المكان، ولم يكن هناك أي صخب سوى صيحات أسراب النوارس المحلقة فوق حطام السفن المكسوة بالصدأ.

كان من الصعب على المرء أن يصدق بأنه على بعد بضع خطوات من مانهاتن.

ظل غاسبار ومادلين، لما يقارب ساعة كاملة، يبحثان بيأس عن نايت شيفت لكن سعة المقبرة كانت تعقد مهمتهما.

كانت ندائف الثلج المتساقطة على نحو أكثر شدة تمنع تمييز المراكب التي تضيع ملامحها الشبحية بين السماء والبحر.

ومما زاد الطين بلة، لم يكن من الممكن الوصول إلى كل مكان من المقبرة بواسطة السيارة. لم تكن هناك أرصفة محددة بوضوح، كما لم تكن هناك ممرات عبور مصبوبة بالإسمنت أو مخططه ليسلكاها.

تبعا لطبيعة المكان، سار البيك أب في دروب وعرة أو مسالك طينية مسدودة كان من الأفضل لهما أن يسلكاها سيرا على الاقدام تحت طائلة الغوص في الأوحال،

ولدى عبور أحد تلك المسالك، بعد تجاوز مستنقع رملي، كانت قاطرة للجيش قد غاصت فيه، لفت تفصيل صغير انتباه مادلين .

شقة في باريس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن