كورسوم بيروفيسيو*

69 5 0
                                    


*عبارة لاتينية تعني هنا ينتهي طريقي
________

1 .

بعد عودته من شارع شيرش-ميدي، صادف غاسبار شون لورينز وجها لوجه كانت الصورة الشخصية للرسام -الصورة بالأبيض والأسود التي التقطتها المصورة الإنجليزية جين باون- تفرض حضورها الطاغي،

وتضفي على القاعة صمتا مطبقا، وتعطي الانطباع بأن الرسام يلاحقك بنظرته كيفما تحركت.

اختار غاسبار في البداية أن يتجاهل الصورة وانسل إلى المطبخ وأوصل بالتيار الكهربائي غلاية القهوة التي كان قد اشتراها بعد خروجه من متجر بيع الهواتف.

ولكي يمنح لنفسه دفعة من الحيوية، أعد كوبا من قهوة الريستريتو الإيطالية التي تجرعها دفعة واحدة، ومن ثم أعد كوبا من قهوة لونغو الخفيفة وأخذ يشربها بهدوء وتلذذ.

ممسكا بالفنجان في يده، عاد إلى الصالون واصطدم من جديد بنظرة الرسام. في المرة الأولى التي رأى فيها هذه الصورة، شعر بأن وجه شون لورينز كان يقول له: سحقا لك.

أما الآن، فقد أحس بدل ذلك بأن عينيه البراقتين والثاقبتين قد اتخذتا لهجة مختلفة تطلبان منه المساعدة: _ساعدني

قاوم النداء لبضع ثوان قبل أن تنهار مقاومته ويقول:
- كيف تريدني أن أساعدك؟ لقد مات ابنك، وأنت تعرف ذلك جدا.

كان يعي بأنه من الغباء التحدث إلى صورة، لكن الحاجة إلى قفه كانت تقلقه. وكذلك الحاجة إلى تجميع أفكاره وتقييم تبرير الوضع. استطرد قائلا :

- حسنا: لم يتم العثور على جثته، لكن هذا لا يعني أنه على قيد الحياة. حكايتك عن تجربة الاقتراب من الموت غير منطقية ولا معنى لها، عليك أن تعترف بذلك .

ظل الوجه الصارم يرمقه في صمت. من جديد، اختلق له غاسبار جوابا:
_إذا كان ابنك هو الذي مات، هل تعتقد أن...

اعترض، قائلا : - ليس لدي ابن .
ساعدني.
_انت تزعجني

أم كرجع للصدى، عادت جملة من حديث شون لورينز وجاك شانسيل إلى ذاكرته. في نهاية المقابلة، طرح المحاور سؤالا على الرسام حول الهدف النهائي لأي فنان، قبل أن يجيب شون لورينز بدون تردد

_ان يصبح خالدا.
ما كان يمكنه أن يقترب من حافة جنون العظمى اخذ معنى مختلف تماما،

حينما وضح لورينز فكرته: «أن تكون خالدا يمنحك الفرصة لأن تهتم لأطول وقت ممكن بمن تحبهم .

من كثرة تحدي الصورة، أصيب غاسبار بنوع من الدوار وبات يهلوس: تداخلت صورة وجه الرسام للحظة وجيزة مع قسمات وجه والده وأعاد التماسه:
_ساعدني.

رمش الكاتب المسرحي بعينيه لكي يبدد ضيقه. توقف الاضطراب في رؤيته ثم اختفى تماما. متحررا من سطوة الرجلين، عاد إلى عرينه في الطابق الأرضي، وتجرد من ثيابه،

شقة في باريس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن