الثقب الاسود

65 5 0
                                    


لا نكون احرار الا في عزلتنا
آرثر شوبنهاور
......

كانت مكاتب وكالة كارن ليبرمان في شارع كوتليري، ليست بعيدة جدا عن مبنى البلدية ومركز بومبيدو. لم يكن غاسبار قد جاء إلى هذا المكان سوى مرة واحدة، وكان ذلك قبل اثنتي عشرة سنة،

في أثناء بدايات تعاونه مع كارن. أما ما تبقى من الوقت، فكانت وكيلته تنتقل بنفسها. وقد ندم غاسبار على عدم مطالبتها بالقيام بالأمر نفسه هذه المرة:

كان مساره بدءا من شارع شيرش-ميدي غارقا في الجو العدائي والمشؤوم لمدينة باريس الكئيبة هذه. توترت أعصابه وشعر بأنه في أرض معادية، وزاد الإحساس بالأمر سوءا.

كان المكان كما يتذكره: عبارة عن ممر متهالك بعض الشيء - مغطى بعدة ألواح صدئة- يتيح الوصول إلى باحة صغيرة خربة تنتصب فيها عمارة ثانية، أقل أناقة بكثير من تلك التي تطل على الشارع.

كان المصعد، الذي يشبه بحجمه تابوتا، بطيئا للغاية، وكان يعطي الإحساس بأنه قد يتوقف في أي لحظة. بعد تردد، قرر غاسبار أن يصعد الطوابق الستة مشيا على القدمين .

وصل لاهثا إلى أمام المدخل، ورن الجرس منتظرا أن يفتح له الباب قبل أن يدخل إلى المكاتب المسقوفة. لاحظ أن المدخل - الذي وضعت فيه بعض الكراسي ليستخدم كقاعة انتظار- كان فارغا وهذا ما أشاع فيه الارتياح.

لأن كارن كانت متعاقدة مع ما يقارب عشرين كاتبا وكاتبا مسرحيا وكاتبا للسيناريو، كان غاسبار يخشى أن يصادف في مكتبها أحد زملائه ويضطر لأن يخسر خمس دقائق في الثرثرة والمجاملات.

قال في نفسه وهو يتقدم نحو مكتب مساعد كارن: «العزلة لها فائدتان: أولا، يكون المرء مع ذاته، ومن ثم لا يكون مع الآخرين».
كان شوبنهاور قد قال ذات يوم شيئا من هذا القبيل.

كان مساعد كارن رجلا شابا يعتقد أنه صاحب شكل متميز -لحية على طريقة الهيبيين، ووشوم، وحلاقة شعر بطريقة أندركات وحذاء مرتفع الساق، وقميص،  جينز ضيق الخصر - في حين يكن سوى نسخة مطابقة لكل رفاقه .

بسبب الإجراءات المشددة ، حدق الرجل في غاسبار قبل أن يسأله بنبرة متشككة عن أسمه. كان ذلك مدعاة للسخرية،

بما أنه كان يؤمّن بمفرده ثلاثة أرباع حجم أعمال الوكالة ! قال غاسبار غاضبا وهو يتوجه عنوة نحو باب مکتب کارن تحت الأنظار الذاهلة لمعاون وکيلته :

- أنا من أدفع راتبك، أيها التافه!
استقبلته وكبلته 
- غاسبار؟

كانت قد انتبهت إلى الأصوات الصاخبة في قاعة الاستقبال، فخرجت من مكتبها وجاءت للقائه. كانت کارن ليبرمان، بجسدها الرشيق، وشعرها الأشقر القصير، تقترب من ربيعها الخامس والأربعين،

ولكنها كانت تحافظ على طريقة لبسها نفسها منذ كانت طالبة في ثانوية جانسون-دو-سايي : بنطلون جينز 501، وقميص أبيض، وسترة باقتها عريضة وحذاء خفيف نبيذي اللون.

شقة في باريس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن