الفصل التاسع
لم أستطع التركيز في أي من محاضراتي . ماذا لو أساء إيّان الظّنّ بنا، خاصة الآن، بعد أن كذبت عليه وأخفيت عنه الحقيقة. لا اريده أن يظنّ بأنّ طلال يحبّني، إنّه صديقه الوحيد ولا أريده أن يخسره بسببي، لا أريد ذلك.
انتهت محاضراتي كالعادة عند الثانية، والآن عليّ مواجهة مشاكلي الأخرى مع رينا وآدم. رينا لم تخاطبني منذ البارحة، معها حقّ فأنا أخفيت عنها أكثر من حقيقة، خاصّة عندما أتتني فرِحةً لرؤيتها إيّان، لم أخبرها بأّني أعرفه وأعطيتها فرصة للتعرّف إليه. يا الله !! إنّها معجبة به حدّ الجنون. فالمشكلة الآن لن تتوقف عند إخفائي الحقائق بل ستتعدّى ذلك بكثير. ما الذي يحصل معي وكأنّ مشاكل الدنيا تجمعت فجأة فوق رأسي.
دخلت القهوة ووجدتهم جميعاً عند الطاولة في الزاوية الشمالية تقدّمت نحوهم بخطى ثقيلة وخجولة. لا أعرف كيف سأواجههم جميعاً بعد الذي شهدوه مني بالحفلة . رمقتني رينا بطرف عينها ثمّ عادت تتحدّث الى تمارة متجاهلةً وجودي. أسرع آدم إليّ فرحاً لرؤيتي، سليم وعمر أرسلا لي ابتسامة عريضة وأومآ برأسيهما يحيّياني. ألقيت إليهما ابتسامة خجولة وشغلت نفسي بتمارة ورينا، يبدو أّنّ رينا لا تريد مخاطبتي ولكني سأجبرها على ذلك.
سألني آدم: " أنجلس الى طاولة لوحدنا، لنتحدّث على راحتنا "
منظره جعل قلبي يعتصّر عليه اذ شفّته السفليّة متورّمة وجبينه مقطّب وكل هذا بسببي، أجبته وأنا أحاول كبت صوتي المرتعش
" أعطني القليل من الوقت سأتحدّث الى رينا ثمّ آتي إليك "
أخذت كرسي وجلست بين رينا وتمارة اللتان تتحدثان متجاهلتين وجودي"يبدو أنّكما لا تريدان التّحدّث معي "
أجابت تمارة بسرعة: " ولم لا نريد التّحدث اليك، ولكن رينا لم تتوقف عن الكلام لتسمح لي بتحيتك، كيف حالك "
" بخير " أجبتها والتفتتّ الى رينا التي بدورها أخذت هاتفها وشغلت نفسها به لتعلمني أنّها لا تريد مخاطبتي
" رينا أرجوك، دعينا نتحدّث قليلاً، أنا أعرف بأني أخطأت معك ولكن لي أسبابي، اسمحي لي بتبرير نفسي وبعدها لك حريّة التصرف والاختيار، ولكن لا تأخذي هذا القرار قبل سماعي "
وضعت الهاتف على الطاولة وقالت زافرةً بحنق " كيف تريدين تبرير نفسك نور، أنا قضيت ليلة البارحة بأكملها أحاول إيجاد تبريراً لما فعلته ولكني لم أجد، أهكذا تردّين الصداقة بالكذب والخيانة "
" أنا لم أخنك رينا ولم أكذب عليك، فقط خبّأت عنك بعض الحقائق ليس أكثر "
ضحكت ضحكة ساخرة وقالت بعصبيّة وهي تحاول ترك وتيرة صوتها منخفضة: " هذا رائع، أصبح هناك فرق بين الكذب وإخفاء بعض الحقائق إذاً "
"رينا يبدو أنك حكمت عليّ قبل أن تسمعيني، لذا قولي لي أنّك ما عدت تريدين صداقتي مهما كان سبب ما حصل البارحة "
بدت حائرة وكأنّها تفكر بما تريده، أتريد صداقتي أم الغيرة أعمت بصيرتها وتركتها عاجزة عن تحملي بقربها، ثم قالت: " سأسمعك هاتي ما عندك "
تنهّدت بإرتياح لقبولها سماعي ، فأنا حقّاً أهتمّ لصداقتها ولست مستعدّة للتّخلّي عنها. قلت بتردّد وأنا غير واثقة من ردّة فعلها على ما سأقوله:
" إيّان كرم، هو الرجل الذي تركني والدي تحت عهدته قبل وفاته "
حدّقت بي مندهشة من كلامي " إذا هذا يفسّر بعض الأمور، ولمَ لم تخبريني بذلك عندما أتيتك كالمجنونة فرحة برؤيته وأخبرتك بأني معجبة به "
سكتّ لبرهة حائرة كيف أخبرها بحقيقة مشاعري له ثم تابعت:
" أنا مغرمة به رينا، أحبّه بكلّ جوارحي ولكنه كان يرفض حبي لأنّه يعتبر نفسه الوصي عليّ فرفض الفكرة كلياً وهذا الامر أفقدني صوابي وتلك الليلة شربت عن طريق الخطأ شراباً يتضمّن الكحول وثملت وتسبّبت بكل ما حصل عن غير قصد صدّقيني "
"لو كنت صادقة باعتباري صديقتك الوحيدة لما كنت خبأت عنّي كل هذه الأمور. أتعرفين بأنّي كنت أحاول ان أجمع بينك وبين أخي نور؟ وأخي ماذا سيحصل له بعدما تخبريه بأنّك مغرمة بغيره؟"
" رينا، أنا لم أخطئ بحقّ آدم، لم أعطه الفرصة ليظن بأنّي معجبة به وأنت أدرى بذلك "
أخذت هاتفها من جديد وقالت وهي تقلب صفحاته معلنةً إنتهاء الحديث:
" أظنّ بأني سمعت منك ما يكفيني. اذهبي الى أخي وحاولي أن تشرحي له سبب ما حصل له البارحة. فهو الى الآن يظن بأنّه هو من أخطأ بحقّك لأنّه قبّلك وأنت ثملة. وأنا اعتقد بأنّك استغلّيت أخي لإثارة غيرة الرجل الذي تحبّينه وهو لا يريدك. وأعتقد بأنّك نجحت بفعلتك هذه. فما حصل البارحة أصبح واضحاً جدّاً بالنسبة لي الآن. ولا اظنني مستعدة لتخطي هذا الأمر، لذا اعتقد بأنّ صداقتنا انتهت نور"
إنّها تظلمني، أنا لم أخطّط للأمور كما هي تظن بها. أيعقل أنّها تظنّني سيئة الى هذه الدّرجة؟ أنا لست كذلك، لست سيئة ولكن ما حصل تلك الليلة جعلني ابدو كذلك.
حسناً ، على الاقل حاولت معها ، ولا أستطيع إجبارها على أن تكون صديقتي ، وأنا متأكدة بأني خسرت صداقة بقية الشلّة لأنهم أبداً لن يختاروني عليها ....جلت بنظري حول الطاولة أراقبهم جميعاً ، سأفتقدهم كثيراً ولكن ما باليد حيلة خسرت وخسرت .
أنت تقرأ
فى ظلال الماضى لكاتبة أمل القادرى
Romanceمقدمة الكتاب أكّد فرويد أنّ شخصيّة الإنسان يحدّدها ويصنعها ماضيه وحاضره ومستقبله. لذا لا حاضر بلا ماضي ولا مستقبل بلا ماضي ، حيث أنّ للماضي أهمّيّة كبيرة وجذرية في نحت شخصيّة الإنسان وصنعها وصقلها ودفعها إلى الحاضر. ومن هنا تأتي أهمّيّة الطّفولة حيث...