الخاتمة
بعد مرور ثلاث أسابيعدخلت غرفته أتفقد حاله ، البارحة حتى تحررت من الجص اللعين ، لقد كان مكبلاً حركتي نهائياً ، وإيّان جراحه تلضم برفق ، يقول الطبيب بأنّه قريباً سيُصبِح قادراً على ممارسة حياته اليومية كالسابق .
بعد عودتنا إلى المنزل عادت الثغرة تكبر بيننا ، إذ عاد يحاول خلق مسافة بيننا ، يعاملني بحنان وإهتمام ولكنّه يحاول قدر الإمكان البقاء بعيداً .
بالكاد يمسك كفِّي ، وأنا أشعر بالغليان بعروقي لأصرخ به بأنّي أعلم بأنّي زوجته ليظهر طلال بوجهي محدّقاً بي برجاء أن لا أفتح فمي ، ولكنّي مللت منه .
وكعادته إستقبلني متذمراً " ماذا تفعلين هنا نور ؟؟"
" أتيت أفتش عنك" أجبته جالسةً بقربه ليرفع نظره عن حاسوبه يجأرني بإستنكار وأنا أدعيت البلاهة مستلقيةً على السرير ، متمددةٌ بإرتياح .
أغلق حاسوبه بعصبية وقال بحنق " إذهبي ونامي بغرفتك ، هيا إنهضي عن سريري "
إبتسمت له بوقاحة تامّة مستلقية على بطني أناظره بأجفان مبطنة ، وهل يظن بأنّه أنْبَهَ منّي ، سأريه ....
"نور!!"
" عيون نور وقلب نور وروح نور "
وقف عن السرير خالقاً مسافة كبيرة بيننا " ماذا تفعلين هنا بالتحديد ؟!"
"أريد أن أنتقل للعيش بهذه الغرفة ، إنها تعجبني أكثر من غرفتي ، الليلة سأنام هنا "
عاد الي بخطى سريعة ليقف فوق رأسي يناظرني بإستغراب ، لا يجد حلاًّ لي، وأنا تابعت بكل براءة " اليوم إلتقيت بشاب بالجامعة ، جلس بقربي بالمحاضرة وفجأة شعرت بأنّي أعرفه منذ زمن ، وجدته قريبٌ من القلب ، لقد أمضينا باقي الفترة ونحن نتحدث ونتحدّث دون ملل "
رمقته بطرف عيني لأجده موشّحاً بالحُمرة القانية ، قابضاً على كفَّيه بحنق شديد يناظرني بغضب شديد وأنا تابعت " أعتقد بأنك كنت على حق في نهاية الأمر ، لقد كنت مصرّة بأني أحبك وأعشقك وأهيم بحبك لأكتشف بأنّي لا أعرف شيئ بهذه الحياة وما زال الدرب طويل أمامي لذا... "
" لذا ماذا يا أنسة نور ؟؟"
" سأكتشف مشاعري مع صديقي الجديد ، لربما يكون هو صاحب الحظ ويستملك قلبي "
إستدار تاركاً المكان ، خرج من الجناح إلى الشرفة ، عاد بعد لحظات قليلة جداً ، مشى بالغرفة عدّة مرات ، ذهاباً وإيّاباً ، ذهاباً وإياباً ، عاد ووقف أمامي وأنا مستلقية على سريره محاطة بلحافه الرمادي الناعم المحشي بريش نعام
" ومتى إكتشفت أنك لا تحبيني وأنّ مشاعرك ناحيتي ليست سوى عبثاً "
رفعت حاجبي مدّعيةً التفكير ، وبكل برودة أجبته " عندما كنت أتحدَّث إلى صديقي ، إكتشفت أنّه أدفأ منك ، مرح ، ووقح "
" هلاّ سمحت ووقفتي عن سريري ، إنّه فراشي ، وهذا لحافي ، وهذه غرفتي"
"وأنا!!؟؟"
"أنت ماذا ؟؟!!"
وقفت عن السرير مقتربةً منه ، لنرى إلى أين ستصل معي إيّان كرم، هل ستعترف بملكيتك لي أم ستبقى على عنادك .
وقفت قبالته رافعةً رأسى أناظره بإبتسامة ماكرة ، أمسكت بياقة قميصه ألهو بها فأمسك بها مبعداً إيّاها قائلاً " صديقك الوقح يا نور !!!، تريدين صديقاً وقحاً ؟!!"
ومأت له برأسي بنعم ، محدّقةً ببريق عينيه الآخاذ ، إنّه مجنون ليظن بأني سأُعجب بأحد غيره ، أحب أحد غيره ، أقترب من أحد غيره ، أسمح لغيره بالاقتراب مني .
"نور!" ناداني بهدوء تام مرسلاً شرارة بجسدي بأكمله
" حبيبتي نور ، من الغد والصاعد ستكملين عامك الدراسي بالمنزل ، سأستدعي كامل طاقم التعليم لإعطائك كامل محاضراتك بالقصر هنا "
شهقت منتفضة من بين يديه " هل أنت بكامل وعيك ؟!"
نخر ضاحكاً بسخرية " بين يوم وليلة إكتشفت بأنك لست مغرمة بي وأنّك على إستعداد لتقعي بغرام زميلك الذي التقيت به البارحة ، من هو الذي فقد عقله نور ، أنا أم أنت ؟"
" أنا لن أكمل دراستي بالمنزل ، سأذهب إلى الجامعة ، إنّه المكان الوحيد الذي أشعر به بحرّيتي ، ولن أتنازل عن حقي هذا "
"حرّيتك !! أنت لن تعودي إلى الجامعة ولن تكلِّمي ذلك الوقح من جديد وستنفذين أوامري "
" أنا أكرهك إيّان" صرخت به ضاربةً قدمي بالأرض بحنق
" لا يهم ، اليوم ستكرهيني ، غداً ستعودين وتقعين بغرامي ، أيّتها المتقلبة المشاعر "
"بل سأكرهك إلى الابد " أجبته مندفعةً نحو الخارج ناسيةً خطتي الأصلية ، يبدو أن السحر إنقلب على الساحر .
وقفت عند الباب عائدة بإنتباهي إليه لأراه يراقبني بغموض ، يحاول فهم جنوني الذي رميته بوجهه ، يفكر بكلامي .
" أريد هذه الغرفة ، أنا أريد هذه الغرفة لتكون غرفتي ، وأنت بإمكانك أخذ غرفتي إذ أردت أو إختار لنفسك غرفة أخرى "
رفع حاجبه يرمقني بإبتسامة ماكرة جال بنظره حول غرفته وقال " ها نحن قد عدنا لجنون نور ، هل كنت تنتظرين شفائي لتبدئي من جديد ؟؟ حسناً ، عودي إلى هنا وقولي ما لديك يا عزيزتي وإلاّ ستنفجرين قهراً "
حدّقت به ببلاهة ، أحاول تمالك نفسي وأن لا أعاود الصراخ به ، لقد فهم لعبتي ، فهم بأنّي أريد منه شيئاً .
عدّت إليه ، عدّت بخطوات بطيئة مترددة وقفت قبالته رافعةً بصري اليه وإذ به يبتسم مسترسلاً بالضحك ، حضن وجنتي بين كفَّيه الغليظين وقال "تريدين حبيباً وقحاً ها ، أنا لم أرى أوقح منك حبيبة ، الغرفة وصاحب الغرفة والقصر وصاحب القصر وكل ما في القصر تحت أمرك يا نور عيوني "
" إلى متى ستستمر بمعاملتي كطفلة ، متى ستبدأ تراني حبيبتك ، وزو...." صمتُّ، صمتُّ قبل التسبب لطلال بمشكلة كبيرة
عقد حاجبيه بتساؤل " أعاملك كماذا ؟؟"
حررت نفسي من بين كفَّيه موليةً إيّاه ظهري وقلت بصوت مخنوق "عندما تنظر الي ماذا ترى؟؟ هل تراني طفلة بحاجة لرعايتك وإهتمامك ، أم تراني حبيبتك وخطيبتك وزوجتك يوماً ما ؟؟"
جذبني من ذراعي معيداً إيّاي إلى مواجهته ، حدّقت بزرقة عيناه الخلاّبتان أنتظر ما سيقوله ، زفر نفساً حارّاً وقال " أنا أرى فيك كل هؤلاء ، أراك صغيرتي المدللة التي ما تزال بحاجة لرعاية مني ، أراك حبيبتي الفاتنة التي أغار عليها من النسمة العليلة التي تتخلل شعرك ، وأراك زوجتي المستقبلية التي ستحمل إسمي وتحترمه وتحافظ عليه وتحمل أطفالي يوما ما "
غامت عيناي بالدموع متمتمةً " إذاً أخبرني بالحقيقة ، عاملني على هذا الاساس ، دعني أثق بك ، برهن لي أنك تثق بي وبقدرتي على تقبل الحقيقة مهما كانت "
ناظرني بتساؤل ، لا يفهم فحوى كلامي ، إنّه لا يشك حتى بأنّه من الممكن أن أكون على علم بزواجنا ، لا يريد أن يعترف به ، يريد أن ينتظر الوقت المناسب ويطلبني من جديد ، يطلب موافقتي للزواج به .......
شهقت باكيةً مستسلمةً لقدري ووضعي ، مستسلمة لِحُبِّهِ ومشاعري، سيبقى زواجي سرّاً لن يبوح أحدٌ منا به للآخر ، أخذني بين ذراعيه يحتضنني بتملك دافناً وجهه بشعري متمتماً " أنت تُحَيِّرِينَنِي نور ، ماذا يجري معك حبيبتي ؟!!"
ضيّقت ذراعي حول خصره " أحبك إيّان ، أحبك كثيراً كثيراً "
قبّل جبهتي بشوق مجيباً " وأنا أعشقك أيتها المجنونة المتمردة العاشقة "
وأطفأ نار رغبتي بقبلةٍ لذيذة مشتاقة مرهفة .
أنت تقرأ
فى ظلال الماضى لكاتبة أمل القادرى
Romanceمقدمة الكتاب أكّد فرويد أنّ شخصيّة الإنسان يحدّدها ويصنعها ماضيه وحاضره ومستقبله. لذا لا حاضر بلا ماضي ولا مستقبل بلا ماضي ، حيث أنّ للماضي أهمّيّة كبيرة وجذرية في نحت شخصيّة الإنسان وصنعها وصقلها ودفعها إلى الحاضر. ومن هنا تأتي أهمّيّة الطّفولة حيث...