تحقيقُ الشمسِ الطيبة لرغبةِ البدرِ بعدم الإطالة في تصدّر لوحة السماء بأسرِها ، تُنتِج تلاطُم ألوانٍ خلّابةِ ، تثير الهدوءَ و السكينة للبعض ، في حينَ هناك مَن تراوِده حماسةٌ لتعلّق ألوانِها بالحركة المُفرطة و الأمور الحماسية.في أحدِ شوارع أوساكا ، خصّيصا عِند واجهة أحدِ المقاهي ذاتِ النوافذ الزجاجيّة الكبيرة ، و الطاولات القليلة المُصطفّة ، مسَح ذو شعرٍ نيليٍّ قصير صفحةَ وجهِه بعدَ إلتقاط آذانه للنُكتة التافهة التي أطلقَها صاحِبه بينَما يضحَك ، لكنّه لن يُخفِ إبتسامتهُ رغمَ ذلك. رفعَا كفّيهما و تصافحا ، ثمّ قاما بتحيّةٍ لا يفقه القيام بها إلا كلاهُما.
حملَت شابّة مُنظّمة الهِندام ، جذّابة المظهرِ صينيّةً تحمِل علبتين معدنيّتين للشراب الذي طلبهُ هذان الصاحبان ، و سارَت ناحيتهُما راسمةً أحد بسماتِها العذبةِ على ثغرِها ، ما أحدَث ثُقبًا في خدّها الأيسَر ، و أعني بالثقب غمازتها التي حفرَت وجنتَها ببهاء.
مدّت الطلبيّة نحوَ ذي الشعرِ الأغبر الذي يصل طوله إلى فكّه ، و سرّحه إلى الجانِب. فقامَ بإنزالِ الكمامةِ السوداء التي كان يغطّي بها فاهَه كي يُبادلها البسمة و قبِلت يده اليُمنى الطلبيّة ، حين تسلّلت اليُسرى كي تلتقِط الكيس الصغير المملوء بمادّةٍ بيضاء المُتموضِع أسفَل الصينيّة بالذات.
تمّت العمليّة بشكلٍ سلِس ؛ و على الأرجحِ أن الكيس مليئٌ بمادّة مخدّرة.أخيرًا غرقتِ الشمس ، فإستقام ذو الشعر النيليّ مِن جلستِه و إلتقَط معطِف بذلتِه الرسميّة ، ثمّ تحدّث "سانزو ، مِن الأفضل البقاء في الدّاخل"
لم يفكّر لزمنٍ طويل قبل أن يرُد بالموافقة "لنتوجّه للطابِق السّفليّ إذًا"
ترجّل بدورِه مِن كرسيّه ، و رافَق صديقهُ فارِع الطول إلى الطابق السفلي مِن المقهى ، أينَ تتواجدُ الحانة..
رغمَ إنطلاقِ بعض الالحانِ الهادئة للعازفين داخِل الحانة ، إلا أنّه كان بالإمكان الإصغاء لوقعِ خطوات ضيوفٍ جدد على السلالِم الخشبيّة.
تزيّن سقفُ الطابق السّفلي بالمصابيحِ الصغيرة ذاتِ الضياءِ البرتقالي المُصفر ، أمّا الطاوِلات فقَد حمِلت بعضَ الشموعِ المنارة ، فكفِل خشب الجوزِ الذي صُنع مِنه البلاط ، و القرميد الذي صُنعت مِنه الجُدران بترميمِ الاجواء المُناسبة للسّكارى ، مُتعاطي المخدرات ، أو المدخنِين.إختار الشابّان مقعديْن مقابِل الطاولة الطويلة التي تُطل على الساقي ، و الذي ينظف بعضَ الكؤوس و يلمّعها ، و لَم يكونا بمُفردهما ، إذ نبَس شخصٌ آخر بهدوءٍ بعدَ إرتشافِه مِن شرابِه.
"قُبِض على موتشي"عبَس "هيتو" الذي تعرفونه بإسم كاكوتشو و قطَب حاجبيه ، في حين إستغرق "هاروتشيو" بلفّ سيجارةٍ تحمِل الِقنّب الهندي ، ثمّ أشعلَها ، و هزّ كتفيه بغيرِ إهتمامٍ كامِل "دعنا مِن ذلك البدين ، كان ليقضي على سِلعتنا بمفرده سحقًا له"