إنسَحبت منهزمة بعد كفاحٍ دام طيلة النّهار ، جاذِبة ذيول السّناء مختلفة الألوان بخيبَة ، فخلّفت بعض الحُمرة لغضبِها ، إمتزجت مع صُفرة بهجتِها بنهاية القتال ، لتتركَ أحد أجمل تدرّجات البرتقاليّ من الدّاكنة إلى الفاتِحة على طول المساحة الواسِعة للسّماء.منظرٌ لم يتحمّله الفضاء لشدّة بهاءِه ، فأرسلَ إنعكاسَه صوبَ البحر غامِق الزّرقة.. ليعشّي يحمِل ذاتَ الألوان ، لكنّها تتشوّه بفعل دحرجةِ أمواجِه.
دافناً قدماه في رطوبة الرّمال التي قد برَدت ، أحس مانجيرو طالب الإعدادية بحبورٍ لا يوصَف ، فالرّحلة إلى شيمودا كانت تستحقّ العناء فعلاً!
عبّئ رئتاه بالهواء ذي الرّطوبة التي خفّت و الطعمِ المالِح ، ثمّ زفَر على مهلٍ متأمّلاً ، يمضي بخطواتٍ للأمام على مهل ، منتظراً مرافِقه كي ينتهي من إحضار وجبةّ خفيفة لكلاهما من مقهىً قريب.
«كلّا لا يعقل!! لقد نفِذ الأبيض!»
و بمرورِه قُرب مجمّع صخريّ ، سمِع هذا التذمّر الصّارِخ الأنثوي ، فشزر فقط جانباً.. و لا يبدو أنّ مقاطعتها لصفوِ اللّحظة قد أسَرَّته.
و نتيجةً لإنتفاضِها ، فقد وقَعت لوحة كانت مسندةً إيّاها إلى أحد الصّخور المُرتفعة. و قد تناثَرت بعض الألوان الترابية حولَها.. إضافةً إلى ما قد يحتاجُه أيّ رسّامٍ مِن مستلزمات.
تأخّرت في الإنتباه إلى وقوع تحفتِها ، فقد إنحنت إلى الجانِب المغايِر من جهة وقوعِه ، مستهِلّة بحثَها على اللّون المفقود في حقيبةٍ ما. و لكن ما إن فَعلت ، إلّا و رُسِمت أماراتُ الإستغراب على مُحيّاها خُمرِي البشَرة ، و ذلك للمحِها صبيّاً كانت واثقةً أنّها تكبُره سِنّاً ببعض الأعوام.. يُجاوِر لوحَتها ، حاملاً بين كفّيه الضّئيلان حِفنةً مِن الرّمال و التي تُماثِل لون شعرِه الغير حامِل لأيّ تسريحة ، و الذي يصِل طولُه إلى ذقنِه على الأقل.
صبَّ مانجيرو -تحت مراقبتِها له- حُبيباتِ الرّمل في المنطِقة الفارِغة مِن الرّسمة ، و التي كانَ قد لُوِّن عليها بشكلٍ إحترافي المنظر الذي قمتُ بوصفِه بأدقّ تفاصِيله! و ما إن إنتهى ، إلّا و إستدار إليها بقسماتٍ مُنشرحةٍ راضيةٍ عمّا فعلَه ، و قال: «حُلت مشكلة نفاذ لون! أظنّها هكذا أجمل!»
غطّت ثغرَها بإعجاب ، فلمَع وميضُه في حدقتيها شديدتي العتمَة ، و عليه ، لم تُحرَج وجنتاها قط مِن الإحمرار بخفّة: «يا للإبداع! أضْفَيْتَ لمسةً حيّةً أكثر للرّسمة! و يا لها من نتيجةٍ فاتِنة!»
لم يكترِث للّهجة الرّسمية التي كانت تخاطِبه بها ، بل فقط تمسّك بأحد الخصلات القصيرة المُغطّية لجبهتِه بعشوائيّة ، نظراً لشعورِه بالإطراء ، فخرجَت ضِحكته البهيجة.. قبل أن يمسَحها حين أدركَ شيئاً: «لكنّها ستنساب حالما ترفعينَها.. »