بُرتُقالِي.

228 24 4
                                    

.
.
.

التبخُر كما لو لم أكُن من قبل هو كلُ ما أُريده الآن.

ـ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ

النظر لوجهِ كآي كلّ صباح، يداهُ الباردة وأطرافُ أصابِعه المائلة للأزرق من قِلة الأُكسجين، عيناهُ التي تُراقب كل تحركات الفريق، يداهُ التي تسجل كل شيء، روحه التي كانت تدعمُنا دائماً.

لقد كان كآي خفيفاً جداً، بالرغمِ من ألمه الدائم لكنهُ كان لطيفٌ مع الجميع، قررَ تكريسَ وقتهِ وكلّ حياته لكرة القاعدة على الرغم من عدم مقدرتِه على لعبِها.

لا أزالُ أتذكر الدموع التي ذرفها في ذلك اليوم حينَ قُمنا بإعطاءه زيّ الفريق، بدا ممتناً للحد الذي جعلهُ يبكي!

شعرتُ حينئذٍ بأني أمتلك شيئاً مميزاً، قُدرتي على اللعبِ كعضوٍ دائم في الفريق كان شيئاً لم أُفكر بهِ من قبل لكنهُ جعلَني أعرف مدى أهمية هذا.

كنتُ أنام وكآي بنفس الغرفة بسكن الطلاب التابع للنادي، كانَ بالسرير الأسفل وكنت بالسرير الأعلى، وكنتُ بسببِ ارهاقي الشديد أنامُ بعُمق ولا أستطيعُ سماعه إن تأذى ليلاً أو فقدَ القدرة على التنفس، وكنتُ أستيقظ صباحاً ولا أجده، وأنتظر عودته بفارغِ الصبر.

كان كثير الحرص على إخفاءِ كلّ ما يشعرُ به، لم يشكو لي مرةً واحدة عن ألمه، حتى وهو في المشفى، او يسعُل دماً أمام عيناي، كان يكتفي بقول :

"لا عليك، أنا بخير، اعتدتُ كلّ هذا."

حتى حينَ سرَقت كرة القاعدة مني آخر اللحظاتِ معه، حتى برسالتِه التي ترَكها ولم أستَطع فتحهَا، أنا أثقُ بأنهُ يريد زرع شعور لطيف وخفيف بداخلي.

أنا فقط لا أستطيعُ التوقف عن تخيلُ صورته على سرير المشفى وكل تلك الأجهزة على جسده، وأنفهُ الصغير عليهِ جهاز الأكسجين يبتسم لسماعِه خبر أني انتصرت، تباً كآي اشعر بأنَكَ لستَ بشرياً.

اعتدتُ التلويحَ بمضربي بينما يجلسُ بالقربِ مني يحملُ دفتراً صغيراً يكتبُ عليه بعضَ الملاحظات، كان ينتهي الأمر بهِ يقوم برسمي بطريقة ساخرة لنضحك بعدها سوياً، كانَ فناناً مُبدعاً روحهُ تحلقُ بعيداً عنا.

"كيّو، الكثير من التوقعات تنهالُ على عاتقك، هل أنتَ بخير؟"

كانَ يجدرُ بي سؤالهُ حينها فيما إن كان هو بخير، لأنهُ رحلَ بعدها تاركاً إياي ومضرب كرة القاعدة بالخلف.

لقد تحررَ جسدهُ بطريقة آلمتني كثيراً، لا أستطيعُ التوقف عن ذرفِ الدموع ولا تزالُ تلكَ الكوابيس تستمر بالمجئ.

قوسُ قزَحٍ بَاهتْ. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن