تمطر السماء، تحط طيور النورس الابيض على سور الثانوية، أستاذ الفلسفة يحدثنا عن الانطولوجيا، وأنا، أرسم دوائر وخطوط، أتوهم أشكالا وكلمات وأصوات، وعيناي مغمضتان، جالسة في المقعد الأمامي، الأستاذ لم يعلق، واستمر في شرحه، وأنا نصف نائمة، البارحة سهرت، أفكر في شيء واحد، لماذا قررت أن أرتدي الحجاب؟ أذكر أنني فكرت في ذلك مسبقا، لكنها كانت كلها استنتاجات سريعة، بديهية، حين سألت أمي، كان جوابها أنها اتبعت التيار في وقتها، وصديقتي، قالت أن أمها أمرتها بذلك، وأنا؟ هل لابد أن أتبنى "فلسفة" -كما قالت أمي- وراء كل قرار أتخذه؟
في الواقع لن أرتاح إن لم أفعل، نعم سأتبنى فلسفة وأخلدها، إلى أن أتساءل يوما عن قراراتي التي اتخذتها في صغري، وأعود لأجد دوافعي (الساذجة على الأغلب) وأقول: ربما كانت هذه هي حدود تفكيري وقتها، لكن القرار كان صائبا وفق تلك الدوافع.
إن ارتدائي للحجاب، كان نابعا من رغبة تكونت منذ سن العاشرة، كنت أجلب معي الحجاب سرا وأرتديه أمام مرآة العمارة على عجل وأخرج، كنت أحب الحجاب حبا جما، أحببت بالأخص وقتها الخدين المنتفخين الذان يزيد انتفاخهما عند حدود الثوب، وتلك الطيات التي تتوالى في مقدمة الثوب، والشكل المحدب الذي يصنعه شعري المحجوب في مؤخرة رأسي، حبي للحجاب كان وقتها متمثلا في شكله، فقد كنت أصغر من أن أدرك المفهوم، ذلك بالضبط ما جعل والداي يمنعانني من ارتدائه في تلك السن المبكرة. أما بعد ذلك، لم يعد خداي منتفخان ولم تعد الطيات تهمني، كل ما كان يجذبني إليه، أو بعبارة أكثر صدقا، يدفعني إلى إرتدائه هو كرهي لجسمي بأكمله، شيئا فشيئا، بدأت أدرك أن جسمي ليس بذاك السوء، وأنه ليس موضوعا يجدر بي إخضاعه للتقييم، كنت حينها أرتديه من حين لآخر، كنوع من التغيير، وبعد ذلك انقطعت عن ارتداء الحجاب لسنة ونصف، بشكل قطعي، لم أحجب شعري إلا عند الصلاة وقتها، حتى بدأت بشكل تدريجي أدرك أنني أملك حبا خاصا للفتيات اللواتي يرتدين الحجاب بشكل ملتزم، هكذا فقط، ارتأيت أن تلك الحشمة الفطرية التي يمتلكها الشخص ستصبح أكثر ألفة (ربما أخطأت في تحديد التعبير) إن تأطرت ضمن الدين الذي يعتنقه ذاك الشخص. ثم أخبرت أمي، بعدها، بشكل قاطع أنني قررت أن أرتدي الحجاب.
وبحمد الله، ارتديته، وأسأل الله أن يديمني على إرتدائه.