صانع الدمى

22 3 2
                                    

أخذتُ نفسًا عميقًا ثم أكملت "لقد عشتُ حياةً مسالمةً للغاية، كنتُ الابن الوحيد لعائلة طبيعية ومسالمة، لقد أعطوني كل شيء يملكونه... وقت وجهد ومال، لم يبخلوا عليّ بأيّ شيء، لذلك عشتُ طفولةً عاديّة، ألعبُ مع أصدقائي وأهتم بدراستي وهكذا.

كنتُ متفوّقًا في الدراسة رغم أنني لم أكن أهتم بها كثيرًا، كنتُ دائمًا الأول بلا منازع بدرجات كاملة، لذلك كنتُ محطّ الاهتمام، لم أكن شعبيًّا لتلك الدرجة لكنني لم أملك أي أعداء طوال حياتي.

أكملتُ الثانوية ودخلتُ الجامعة لأتخصص في الجراحة بحكم أنني كنتُ أميل نحوها... كنتُ أرى تلك الدقّة والمهارة العاليتين شيئًا في قمّة الروعة في الجرّاحين لذا أصبحتُ واحدًا منهم بعد دراسة دامت 10 سنوات بسبب بعض الصعوبات التي واجهتها في الجامعة بسبب الحرب، وبعدما تخرّجتُ أخيرًا كنتُ في الثامنة والعشرين من عمري بالفعل وكان أبي وأمي يريدان رؤيتي متزوّجًا... يريدان رؤية أحفادهما، لكنني رفضتُ ذلك كبقية الرجال في سنّي؛ فأنا لا أزال شابًّا يافعًا ولم أجرّب أي شيء بعد.

بعدَ فترة توظّفتُ في مشفى وبدأتُ عملي كجرّاح مساعد، لاحقًا ترقّيتُ وأصبحتُ جرّاحًا أساسيًّا في المشفى، عملتُ في ذلك المجال حتى صرتُ في الثانية والثلاثين... حينها شعرتُ بالملل من تلك الوظيفة، نعم تحتاج دقّة ومهارة لكنني اكتشفتُ بعد فترة أن الفكرة بحدّ ذاتها مملة، لقد لاحظتُ بعد وقتٍ من الممارسة أن جسم البشر مثل الآليين، هناك أعضاء تفعل هذا وأعضاء تفعل ذاك... إنها لا تخرج عن طورها، إنها مثل الآلات بالضبط... صحيح أنه هناك أشخاص لهم اعتلالاتهم الجسدية لكنها رغم ذلك لم تكن كافية لإثارة حماسي، كان من المفترض أن أعلم ذلك قبل أن أضيّع حياتي في الجراحة، كان من المفترض أن ألحظ هذا وأنا أدرس الأساسيات في الابتدائية... أن الجسم مثل الآلة، وأنا أكره التعامل مع هذه الأشياء الروتينية.

رأيتُ أنني أستطيع استخدام موهبتي ومهاراتي في مجال ممتع أكثر لكنني لم أعرف إلى أين أذهب.

في أحد الأيام وأنا أتمشّى في ضواحي مدينتي رأيتُ أطفالًا بلا مأوى ولا ماء ولا أي مساعدة، سألتُ عنهم فعلمتُ من أهالي المنطقة أنهم أبناء جنود جارديا، على ما يبدو أن حكومتنا وعدت الجنود برعاية لعوائلهم لكنهم نكثوها بمجرّد أن ذهبوا إلى ساحة المعركة... حثالة بالفعل. علمتُ أن أولئك الأطفال لا أحد يهتمّ بهم ولا أحد يبحث عنهم، حتى أمهاتهم تخلّين عنهم بحجّة أنهن يردن عيش حياتهن بحريّة في المدن ويتقافزن من رجل لآخر، هنا أدركت أن هؤلاء الأطفال لا حول لهم ولا قوّة... فرأيتُ أن أستفيد منهم.

في أحد الأيام أغريتُ طفلًا صغيرًا ببعض الطعام... كان في الخامسة على ما أعتقد، شعره أسود وملامحه هادئة وكان يترنّح وهو يمشي من ضعف أقدامه، أخذتُه معي إلى منزلٍ مهجور كنتُ قد جهزتُ في صالته سريرًا وعدّة تشريح وإضاءة جيدة فوق السرير، طبعًا كان الطعام الذي أعطيتُه إيّاه مُخدَّرًا لذا فقد وعيه قبل أن يدخل بقليل، حملتُ جسده الصغير ووضعتهُ فوق الطاولة وثبّته بأحزمة حتى لا يهرب؛ فأنا لا أملك طبيب تخدير معي.

لمسة الرحمة: صانع الدمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن