الانفرادية

21 3 0
                                    

كنّا لا نزال نشعر بالصدمة بعدما حدث لذا جلستُ أنا ونظارة وساعة في أماكننا نحاول استيعاب ما حصل، منديل يحتضن رأسه أبيه في سلام وقد خف سيلان دموعه، بينما مسمار يقوم بجمع أسلحة السجّانين الملقيين أرضًا، قطَع مسمار سلكَ حيرتي وقال بصوتِه الخَشِن "لقد فقدنا صديقًا عزيزًا لنا، لقد رحل عن هذا العالم بالفعل، إن كنتم تريدون اللحاق به فابقوا أماكنكم، أما إن أردتم العيش فتحرّكوا الآن! توجد أسلحة مجانية هنا!"، عدتُ إلى صوابي... هل سننتقل من مجنون إلى مجنونٍ آخر؟

رَمى مسمار رشّاشًا بجانب منديل، نظر إليه منديل بهدوء فقال له مسمار "أنتَ كنتَ تسطو على البنوك... صحيح؟ لا بدّ أنك تجيد استخدامه، وأنتم يا حمقى حرّكوا مؤخراتكم إن كنتم تريدون بقاءها مغلقة!"، قام نظارة وحمل رشاشًا بكلتا يديه فسأله مسمار "أنا جاد يا قزم، هل تستطيع التصويب بسلاح حجمه مثل حجمك؟" فردّ الآخر "أنا هنا بجرم الإبادة الجماعية يا أحمق!"، في تلك الأثناء رأيت منديل يقبّل رأس أبيه مرة أخيرة ويضعه على الأرض بلطف، ثم يمسح دموعه ويقوم ويمسك بالرشاش... لم يتحدّث... لكن أستطيع معرفة أنه بخير الآن... نوعًا ما، قامَ ساعة وحمل رشاشًا آخر وهو يقول "لا أظنني ممتازًا لتلك الدرجة في التصويب لكن لا يوجد غيري... إلا إن كنتَ تجيد استعماله يا سيد وخزة؟"، رددتُ نافيًا "لستُ جيدًا مع الأوتوماتيكية، هل لديك مسدس عادي يا مسمار؟" فرمى لي واحدًا بسرعة وهو يبتسم ويقول "سمعتُ أن يد الجرّاح دقيقة، لا تخيّب أملي!" وأخذ هو مسدسًا لنفسه وأكمل "في النهاية لا أزال أفضّل المسدّسات ذات النظام الثنائي؛ إنها عمليّة أكثر في القتال، والآن تمركَزوا عند النوافذ! لا تسمحوا لأيّ سجّـ-"

وفي لحظةٍ خاطفة فُتح بابٌ خفيّ كان موجودًا بجانب نظارة، خرَج منه سجّانان بشكلٍ عاديّ حتى رأوا المشهد أمامهم... عدّة مساجين يملكون أسلحة وثلاثة سجّانين أموات... وقَبلَ أن يتمكّنا من رفع سلاحيهما والتصويب به سقط أحدهم برصاصةٍ على رأسه والآخر بعده برصاصةٍ في صدره جعلته يفلت سلاحه، كنتُ متفاجئًا لذا لم أعلم من أين جاءت تلك الرصاصات حتى تكلّم مسمار والدخان يخرج من فوهة مسدّسه "يبدو أننا وجدناه أخيرًا... الطريق المؤدي إلى الممرات العلوية، والآن أسرعوا! الوضع يبتسم لنا أكثر وأكثر يا ملاعين!"

انطَلق عبر ذلك الباب وانطلقنا معه بسرعة، ما كان وراء الباب هو ممر قصير مظلم في آخره سلالم معدنية لولبية طويلة، بعدما صعدنا منها وصلنا إلى الممرات العلويّة، قال منديل وهو يتنفّس بصعوبة "والآن... ماذا... يا رجال؟" فردّ عليه نظّارة وهو يضحك "لطالما كنتُ أريد أن أجرّب تلك التي هناك... تعلمون؟!" فانطلق نحوها... إنها الأسلحة المثبتة التي كانت تستعمل لقتل المساجين، أمسك نظارة برشّاش مثبّت وتجهّز للتصويب به، أُعجِب منديل بفكرته فانطلق لأحد القنّاصات واقتلعها من مكانها بيديه العاريتين وقال "هكذا أفضل"، أما أنا وساعة فبقينا في أماكننا لا نعرف ماذا نفعل، تحدّث مسمار "ساعة! أريدك أن تصوّب ناحية السلالم الأخرى هناك! اقتل أي شيء يتحرّك من خلالها! ومن الأفضل ألا يكون تصويبك أنثويا مثل وجهك! وأنت يا وخزة اهتمّ بهذه السلالم التي صعدنا منها! أريدك أن تقتلهم فقط! لا داعي لهراء الأطباء ذاك! فهمتني؟! أنا سأكون مع منديل ونظارة لأتعامل مع بقيّة الحرّاس!" وبعد انتظارٍ بسيط يعبّر فيه عن تشاؤمه أكمَل "نحن نفعلها حقًّا الآن... لا مجال للعودة، أتمنى ألا تكون هناك سلالم ثالثة فحسب".

لمسة الرحمة: صانع الدمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن