تحركت للاحتماء خلف الجدار بسرعة، لكن رغم ذلك أصابتني موجة الانفجار وأحرقتني قليلًا، لكن ما ضررني حقًّا هو شظية أصابتني فوق عيني مباشرةً وجعلتني أنزف، لكنني قبل أن أصاب بالمزيد من تمكنتُ من الاحتماء بالكامل خلف الجدار الموجود بجانبي... أنا فقط، أذني طنّت من قوّة الانفجار، وبصري كاد يُخطف من قوّة ذلك الضوء... ضوء الموت.
موجة الصدمة والهواء والركام التي تبعت الانفجار هدأت أخيرًا... إلا أن الصدمة الداخلية قد بدأت للتو، لم أرغب برؤية أي شيء حينها، تمنّيت لوهلة لو أن ذلك الضوء خطف بصري وحياتي أيضًا، لا أعلم لماذا... لا أعلم لماذا شعرتُ بذلك الشعور، لم أكن أشعر بهذه الأشياء سابقًا، هذه الأحاسيس الغبيّة... لماذا تأتيني الآن؟!
رغم رجفتي وعدم رغبتي بالنظر إلا أنني لا أملك خيارًا آخر أمام بصيص أمل أنه لا يزال على قيد الحياة، مددتُ رأسي لأبصر المشهد... وأول ما رأيته كان جسد منديل الضخم الملقي أمامي مباشرةً، نصف ذراعه اليمنى كانت غير موجودة... وبسبب ذلك لدينا نزيف حاد، رأسه سليم إلى حدٍّ ما... يبدو أنه استخدم ذراعيه لحماية رأسه، تصرّف جيد. ذراعه اليسرى مصابة بحروق من الدرجة الرابعة، وأغلب أجزاء جسده من الدرجة الثانية والثالثة، أما الشظايا فانتشرت واخترقت كافة أنحاء جسده... الكثير منها لا يزال عالقًا بالداخل.
أريده أن ينجو، أريده حقًّا... حقًّا... حقًّا أن ينجو، لكن مع كل هذا... لا أرى أي أمل.
بدأت أسمع أصوات ركض من بعيد، نظرتُ بين الغبار الحائم في الهواء فوجدتُ ظلال الثلاثة يركضون نحونا، مسمار ونظارة وساعة... لا أريد النظر إلى وجوههم الآن.
بمجرّد أن وصلوا إلى المكان واتّضحت لهم الرؤية حتى وقفوا ثابتين في أماكنهم... بدون أي كلمة... لماذا يقفون هكذا؟ هل هم مصدومون؟ هل راودتهم نفس المشاعر التي راودتني؟ لا أظن؛ لأنني أنا السبب في كل هذا... أنا القاتل.
لا حاجة لأن تكون جراحًّا حتى تعلم، في الخارج هناك معركة، وبالداخل لا توجد غرف وطواقم طبية ولا توجد أي طريقة لإنقاذه... في مثل هذه الأوقات تستطيع سماع نبضات القلب... تستطيع سماع الأنفاس، لكنك تعلم... أن أمره انتهى.
ما عادت أقدامي تستطيع حملي، الغصّة تغزو حلقي... لكن عيني تأبى أن تذرف، قلبي يهتزّ وأطرافي ترتعش، اقشعَرّت مساماتي وكأنها تريد البكاء أيضًا، أنا لا أعلم... لماذا...
نزل مسمار وبدأ يحاول رفع جسد منديل، صرخَ بقوّة "ما الذي تفعلونه يا حمقى؟! ساعدوني في رفعه! هيا!!!" فانتفض لهذه الصرخة نظارة وبدأ يساعده، انضمّ لهم ساعة الذي بدا مترددًا في الأمر لكنه عزم أمره، أما أنا فلم أكن أستطيع رفع نفسي حتى صرخ مسمار "أيها اللعين! ألا تسمعني؟! أقول لك أن تساعدني!" فتحرّك جسدي من تلقاء نفسه ووجدتُ نفسي أساعد رجلًا ميتًا على النجاة... كنتُ أعلم أنه لن ينجو... لكن لا أدري لماذا تحرّكت، لا أظنه تفاؤل... لم أكن يومًا متفائلًا في حياتي هذه... لم يكن هناك ما يستحق التفاؤل، لكن منذ أن دخلتُ هذا السجن اللعين وعقلي تغيّر، هل أجرى العلماء تجاربًا على دماغي أم ماذا؟ لستُ أدري، لكن الآن لا أملك سوى أن أساعد مسمار، أما منديل... فلا أجد طائلًا من مساعدته.
أنت تقرأ
لمسة الرحمة: صانع الدمى
Action"الكل صامت... هل هم نيام؟ أم أنهم حيارى مثلي؟ هل هي أنفاس مساجين أم سجانين؟ أستطيع سماع أصوات أنفاسهم من شدّة هدوء هذا المكان، هناك الكثير من الأنفاس... وكلها هادئة، لا أحد متوتر ولا أحد خائف... وكأنهم يعرفون هذا المكان جيدًا... أو أنهم مثلي أنا فحس...