في هذا السجن

73 4 1
                                    

9\2\2021

كتبتها بالعكس... ومن يهتم من أين أبدأ بالكتابة؟ لن يقرأها غيري على أية حال...

أنا في أول يومٍ لي في السجن منذ أن قُبِض عليّ ليلة الأمس، لن أتباكى ولن أدّعي المظلومية هنا... فلا فرق على أية حال.

في مثل هذا المكان المظلم المليء برائحة الغبار الذي أنا جالسٌ فيه... على الأرجح يجلس العشرات غيري في زنزانات أخرى، لا أدري هل هم هنا قبلي أم أننا كلنا جئنا معًا، لكننا من الآن فصاعدًا سنكون سواسية بعكس حالنا خارج السجن، البعض كان يعيش في قصورٍ فارهة، والبعض كان يعيش في منزلٍ أسوأ من هذا المكان حتى، لكن الآن... أنا، والغنيّ، والفقير، كلنا سنجرّب الحياة بشكلٍ مشترك.

الكل صامت... هل هم نيام؟ أم أنهم حيارى مثلي؟ هل هي أنفاس مساجين أم سجانين؟ أستطيع سماع أصوات أنفاسهم من شدّة هدوء هذا المكان، هناك الكثير من الأنفاس... وكلها هادئة، لا أحد متوتر ولا أحد خائف... وكأنهم يعرفون هذا المكان جيدًا... أو أنهم مثلي أنا فحسب، لا أهتم أين أكون ولا يشكل ذلك فرقًا عندي... من يعلم.

بعد أن حصلتُ على ذلك الحكم في المحكمة قُطعِت عني كل السبل... ضاق صدري وأقدامي ما عادت تستطيع حمل ذلك الثقل بعد تلك اللحظة، لم أعد أملك الأمل في الخروج... حتى لو امتلكتُ ذلك القدر من التفاؤل، فمجرد رؤية هذا المكان والتعرض لضغطه الخانق والجلوس خلف قضبانه كفيلةٌ بسحق كل شيء بداخلي... ما عاد منّي باقٍ، وما عدتُ أرغب بشيء... وكأنني قارورة ماء جفّت ورُمِيت على قارعة الطريق.

إلا أن فِعلها في مثل هذا الوقت مبكرٌ للغاية... أو هذا ما يقوله لي قلبي، لا أدري ما الفرق إن فعلتها الآن أم لاحقًا، لكن تلك النزعة التي لطالما كنتُ أملكها في صغري لا تزال تلاحقني وتخبرني أن ألزم الصبر كعادتها... أن ألزم الصبر حتى أرى الصورة الكاملة.

لا يمكنني البقاء مستيقظًا طوال هذا الوقت في مكانٍ مظلمٍ كهذا... أنا متعب، ولم يطعموني أو يسقوني أي شيء، لا خيار أمامي سوى النوم، تحسستُ الأرضية بحثًا عن أي قطعة قماش أو أي خشبة أو حجرة لأسند رأسي عليها؛ فلستُ أحمقًا بما يكفي لأتوقع وجود مرتبة هنا...

لم يكن هناك شيء.

استلقيتُ بالقرب من زاويةٍ ما بعيدة عن الباب، وضعتُ كفّي تحت رأسي وحاولتُ النوم... حاولتُ النوم رغم ألم بطني التي صارت تصدر أصواتًا غريبة، هذه أول مرّة في حياتي أنام فيها جائعًا، إنها تجربة جديدة...

هذا مؤلم.

نمت وأنا أتمنى ألا أستيقظ.

2021/9/3

للأسف استيقظتُ... ولسببٍ ما أشعر بوخزة في عنقي، لا بد أنها من النوم على الأرض.

ما استيقظتُ لأجله لم يكن صراخ أحدهم... بل كان مجرّد استيقاظ، قمتُ من الأرض وجلستُ وأسندتُ ظهري على الزاوية حتى لا أصاب بصداع، لا أزال أشعر بجوع وعطش شديدين، لكنني لم أفكر بمناداة أحدهم؛ لا أريد أن أرى نفسي أطلب شيئًا منهم، وأتمنى أن يعطوني قبل أن أضطر للطلب.

لمسة الرحمة: صانع الدمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن