تعلّق سترتها، لتلتفت إلى الباب ما إن وصلتها طرقات خفيفة. تقول ببحّة خاصّة بها لطالما أثنى الجميع عليها ما إن تستهلّ أوّل حديث معهم..
" تفضّل "..
تبتسم وهي تلمحها تطلّ بقامتها المعتدلة وملامحها الهادئة لتردف..
" مساء الخير شيماء "
تقترب نحوها لتضع قبلة على وجنتيها وتقول بهدوء غريب عنها..
" مساء الخير غُزًّى أتمنّى أن لا تكوني مشغولة "..
تشير لها بيدها للجلوس وهي تحرّك رأسها نفيا ذات اليمين وذات الشمال، لتجلس على كرسيّ مقابل لها. تراقب وضعها العنيف لحقيبتها على الطاولة ومن ثمّ زفرتها الحادّة وتتمعّن أكثر في تقاسيم وجهها لتلحظ ذبول عينيها وكأنّ بها لم يغمض لها جفن البارحة، لتأكّد تخميناتها بكلماتها ..
" غُزًّى أنا البارحة لم أنم غمضة واحدة "
تضع يديها على خدّها لتسألها وهي تخمّن السبب الذي جعلها مستيقظة البارحة وعصبيّة اليوم..
" لماذا شيماء؟ ما الأمر ؟ "
تزمّ شفتيها قبل أن تبدأ لائحة شكواها..
" ليلة البارحة كنت في عرس لإحدى قريباتي، كنت أمنّي نفسي بسهرة رائعة لكن كانت سهرة فضيعة أحرقت جميع أعصابي .. "
تصمت قليلا لتخرج زفيرا حادّا وتكمل..
" صُمّت أذناي من همساتهم الوقحة، ما إن أقترب حتى يصمتوا جميعا، وإذا ما إبتعدت العيون كلّها تراقبني .. همساتهم تقتلني تصوّري ماذا يقولون - تزوّجها وهي تكبره بأربع سنوات .. أكيد أنّه مغصوب عليها لدرأ فضيحة ما - وأخرى تقول - لابدّ أنّها سحرته، لا شيء غير السحر يجعله يرتبط بواحدة أكبر منه وبنات العشرينيات كثر .. - لو كانت باهرة الجمال حينها ربّما نعذره لكنّها عادية وأقلّ من عاديّة .. بل بشعة .. "
تراها تمسح على شعرها بتوتّر لتردف بحرقة ..
" تعبت غُزًّى أنا تعبت، البارحة كنت عصبيّة وصرخت في أمي رغم أنّها لم تفعل شيئا يستحقّ الصراخ .. فاتحتني في حديث العودة إليه .. هو لم يتوقّف عن المجيء إلينا لإرضائي.. تصوّري حياتي أصبحت تخنقني .. كلّما لمحته أشعر أنّني أظلمه .. وأنّه ظلمني .. لما تزوّجني وهو يحبّها ولما أنا تزوّجته .. لما وافقت ..؟ "
تواصل صمتها، فطبيعتها تجعلها فاشلة في إختيار عبارات التنميق والكذب، فإمّا أن تخرج ما في قلبها صراحة فتكون لوما حيث أنّها كانت أوّل معارضة لها في قرار إرتباطها بجهاد، بحكم علاقتها القويّة بهما كانت تعي جيّدا أنّ شيماء ستجعل من حياتها جحيما إذا نغّص عليها أمر ما وألسنة مجتمع شرقي لن تصمت أبدا وخاصّة إذا وجدت موضوعا جذّابا كهذا، أو تظلّ صامتة. وكما تعلم جيّدا صفاتها، فإنّ شيماء تعلم أنّها لن تواسيها ولن تنتفض معها على وضعها المؤلم لذلك قالت ما إن رأت صمتها قد طال..
أنت تقرأ
افك نبض الجزء الثانى من سلسلة عجاف الهوى لكاتبة أمة الله
Romanceتمهيد ~ يقولون أنّ العطاء يختلف .. فهناك عطاء بلا حدود .. وهناك عطاء بلا مقابل .. وهناك عطاء يملؤُه الأخذ .. ذاك النوع من العطاء مؤذٍ .. ولا أحد ينتبه لأذيته .. نطالب به كحقّ مشروع .. فحينما تطالب الأمّ بـ سنينها التي مضت لتأخذ أضعافها .. يكون عطاءا...