~ إفكٌ خامس ~
"أحبّك"
العيون تراقب ..
والشفاه تتمتم ..
و القلوب ترتجف ..
لا أصعب من أن تقولها العيون ..
ولا أصعب من أن تنطقها الشفاه ..
فتظلّ حبيسة القلوب ..**
القلب صداه غريب ..
مخادع للنفس فتتيه فيه ..
شاردة تتمايل بخطى غير متّزنة .. تصعد السلالم وعيونها الشاخصة تنظر في ظهر أختها التي سبقتها تركض بخفّة .. لازال عقلها يعيد تفاصيل الحديث الأخير بينها وبين عاكف .. " من تقدّم لكِ أشرف جارنا .. وأنا أعطيته موافقتي .. " لحظات أعقبها صمت كانت فيها تعيد حروفه منفردة وتستوعب معانيها مترابطة .. لتقفز منتفضة وتصرخ مدافعة عن حقّ الإختيار ..
مغتاظة من ذاك الـ عاكف .. رغم أنّه، بكلّ برود، نفى كلماته الأخيرة .. " لم أوافق .. لا تجزعي فلقد رفضته .. " هكذا ببساطة يعترف لها بقراره .. حتّى لو كان قراره في صالحها، ما كان له الحقّ بإتّخاذه .. هي إنسان، الدّين والشرع كفلا لها حقّها بأن تقبل أو ترفض .. هذه حياتها فمتى سيتوقّف عاكف عن التدخّل فيها .. كادت أن ترميه بعبارات إستياء لو لا نظرات التحدّي في عينيه .. كانت لتفهم منذ البدأ أنّه يستدرجها لأمر ما .. لكن الصدمة أفقدتها نباهتها التي تعوّدت عليها .. يا ترى هل يعلم عاكف بـ قصّتها مع سواد ..؟ هل يشعر بشيء ..؟
السؤال الأكثر تواردا على عقلها .. هل بينها وبين سواد قصّة حتّى يعلم بها عاكف ..؟ رغم مُضيّ فترة طويلة على تعارفهما، لم تقدر حتّى هذه اللحظة أن تحدّد ما الذي يعنيه لها، ذاك الـ سواد ..؟ مشاعرها مشوّشة كتفكيرها تماما .. وزادها تشويشا فرضيّة أن يتقدّم لها عريس بمواصفات مناسبة، حينها أستنجح في الوقوف في وجه عاكف ..؟ أليس الأفضل أن يتقدّم لها سواد .. لا تظنّ أنّ أخاها قد يرفضه، فـ سواد متعلّم وإن لم يحصل على شهادته بعد، من عائلة معروفة، يتميّز بخصال ذكيّة وقادر على سلب لبّ كل محدّثيه .. واثقة أنّه سينجح في جذب إنتباه عاكف ..
لكن ..تنفخ متذمّرة وهي تخطو عتبات غرفتها .. تتقدّم نحو سريرها، يديها متكوّرتان في جيوب سترتها البيتيّة .. شعرها مرفوع بإهمال لطيف .. بعض غترتها تتراخى على جبينها بدلال .. وجهها ذو الملامح الجذّابة عابس .. ترمي بجسمها لتتمدّد على الفراش .. ترفع ساقيها إلى فوق، وضعيّة إعتادت عليها في كلّ لحظاتها المتوتّرة .. تغمض عينيها لتفتحهما ما إن وصلها صوت غزى وهي تسأل .. "هل لازلت تفكّرين بأمر العريس ..؟ " ترفع جسمها فتجلس ضامّة رجليها إلى صدرها .. تزمّ شفتيها لتقول همسا .. " لست على ما يرام .. " تقترب غزى بخطواتها الهادئة إلى كرسيّ خشبيّ .. تجلس بنفس الهدوء دون أن ترفع عينيها عن أختها .. الكلّ يعيش حالة من التذبذب .. لا أحد يريد أن يرسو على برّ الأمان .. صراع النفس قد يخنق الأنفاس .. نلهث وراءه غير قادرين على اللحاق به .. ذاك الشيء الذي نجهله رغم معرفة أعماقنا الجيّدة به .. ها هي جاهدة تُضاف إلى لائحة المتعبين من الركض وراء الحياة .. سبقتها تيماء وشيماء .. جاهدة كسابقاتها لا يعترفن بـ القدر وحكمته .. لما نعاند ..؟ لما نصرّ ..؟ ولما لا ننصت ..؟ أليست دقات القلب تصرخ طالبة الإغاثة فلما نتعبها بعنادنا .. تحرّك رأسها متأسّفة على حال أختها .. " جاهدة لما لا تتركين سواد يتقدّم لكِ ..؟ "
أنت تقرأ
افك نبض الجزء الثانى من سلسلة عجاف الهوى لكاتبة أمة الله
Romanceتمهيد ~ يقولون أنّ العطاء يختلف .. فهناك عطاء بلا حدود .. وهناك عطاء بلا مقابل .. وهناك عطاء يملؤُه الأخذ .. ذاك النوع من العطاء مؤذٍ .. ولا أحد ينتبه لأذيته .. نطالب به كحقّ مشروع .. فحينما تطالب الأمّ بـ سنينها التي مضت لتأخذ أضعافها .. يكون عطاءا...