الفصل الثامن

754 14 0
                                    

الفصل الثامن

راقب جاسون الضوء الفضي المنبعث من الخارج يتعاظم لينير الغرفة. لقد تمكن من إقفال أزرار قميصه وسحاب بنطاله بالضبط حين فُتِحَ الباب بما يكفي ليدخل أحدهم رأسه ويرى ما يجري بالداخل، لكن معطفه وربطة عنقه بقيا على الأرض في مكان ما.

أياً من كان الذي فتح الباب، حاول أن يضيء النور، لكن القابس لم يستجب.

كليك، كليك، كليك، لا نتيجة.

أراد جاسون أن يخبر ذلك الغبي أن تكرار المحاولة لن يساعد، لكنه كتم انزعاجه، وتقدّم للأمام قليلاً متأملاً أنه يخبىء معجبته السرية خلفه، كي تتمكن من العثور على قميصها بما أن بصيص من النور أضاء الخزانة.

"مرحباً؟"، الرجل الذي قاطعهما دخل إلى الغرفة قليلاً. هل بإمكانه أن يرى ما الذي يجري؟

"من يوجد هنا؟"

"هلاّ تمنحنا القليل من الخصوصية يا رجل"، قال جاسون وهو ينظر خلفه ليرى فقط ظهر المرأة، بينما رأسها منحني وهي ترتدي ملابسها.

"هل قاطعت شيء ما؟"، سأل الرجل وهو يضحك بخفوت، "لست متأكداً ما سيكون تصرف فريق الحراسة بشأن هذا الوضع"

تباً، لم تفكري بهذه المشكلة، أيتها الغبية.

تفحّص البذلة البسيطة التي يرتديها الرجل وحذاءه العادي. ليس أحد فريق الحراسة، لأنه يرتدي قناع، لكنه لا يرتدي ملابس فخمة كما يفعل السياسيون ورؤوساء الشركات ليتفاخروا في الأنحاء في حفلات قاعة كارمينا. لا بد أنه أتى برفقة أحد الضيوف. بما أنه دخل متطفلاً إلى الغرفة، بالتأكيد ليس على معرفة بالخصوصية التي يفرضها منظمي حفلات قاعة كارمينا. فلهذا السبب، مُنِعَ دخول الصحافة وآلات التصوير.

"لست متأكداً إذا كانوا ضيوف هذه المناسبة- الذين دفعوا كمية كبيرة من المال للحضور إلى هنا- سوف يشعرون بالراحة حول تجسسكَ عليهم"، قال جاسون.

"ماذا؟ لم أكن أتجسس!"، لكن الثقة بالنفس تزعزت بداخله وقد بان ذلك واضحاً بنبرة صوته.

"إذا، لِمَ ما زلت تقف هنا؟"، تقدم للأمام، مراهناً أن نبرة صوته الآمرة وطوله الشاهق، سوف يجعلان الرجل الآخر يتراجع.

"أنا، آه.."، رمش الرجل، "لقد سمعت صوتاً"

"حسناً، بما أنكَ أنهيت تفحّصكَ، ولا يوجد شيء لتراه" مدّ ذراعه على طول إطار الباب، وانحنى للأمام، "ارحل بسرعة"

"أنتَ محق"، أومأ الرجل برأسه ثم ركض مبتعداً، وتوقف للحظة لينظر من فوق كتفه، لكن جاسون بقي مكانه.

ما أن اختفى الرجل عن نظره، حتى عاد جاسون للمرأة، "هل أنتِ بخير؟"

لا زال الباب مفتوحاً، وبدأت عيناه تعتادان على الضوء. رأى أن بشرة معجبته السرية بيضاء شاحبة، كما أنها تملك شعراً داكناً، وترتدي فستاناً بتنورة طويلة واسعة، رغم أنه وجد من الصعب معرفة لونها. أسود؟ أزرق داكن؟ بنفسجي؟ ولاحظ حركة يديها السريعة لإغلاق سحاب قميصها الأمامي.

أومأت برأسها، لكنها لم تنطق بحرف.

ماذا يجب أن تقول الآن؟ إلى أين ستذهب بعد أن ترحل؟

أصبح الهواء ثقيلاً وكأنه مليء بالكهرباء، وأياً منهما لا يجرؤ على الكلام أولاً. لطالما كان جاسون رجل أفعال لا أقوال، مفضلاً أن "ينهي الأمور"، عوضاً عن أن يتهرب ويتملّق، مثلما يفعل شقيقه. من السوء أنه لم يأخذ نصائح من كاليب، لأنه لا يريد أن يفسد الأمور مع معجبته السرية بكل تأكيد.

"ماذا سيحدث الآن؟"، سألها.

تقدّمت للأمام، وأصابعها تتلاعب بقماش تنورتها. كانت لا تزال تقف تحت الظلام، والقناع يغطي وجهها بقماش أحمر حريري وحبوب الخرز عليه تلمع بشقاوة، وكأنها تخبره أنها تعرف بالتحديد نوع العلاقة التي جرت بينه وبين معجبته السرية منذ قليل.

"هل سوف تخبريني بإسمكِ؟"، سأل.

هزّت رأسها، وأسنانها تقبض على شفتيها.

هل هذه لعبة؟ إنه يريد أن يسمع اعترافها.

يريد أن يعرف لماذا لجأت لمثل هذه الحيلة الغريبة لتجلبه إلى هنا، بالتأكيد ممارسة الحب كان جزءاً من اللعبة.

لكن، فجأة تجاوزته المرأة بسرعة، وكعب حذائها يضرب الأرض الخشبية بقوة مصدراً صوتاً صاخباً حين خرجت من الغرفة وتوجهت للمدخل الأمامي للقصر. وقبل أن يتمكن جاسون من استجماع قوته لمعرفة ما سيفعل الآن، كانت قد خرجت بالفعل واختفت في الظلام دون أن تستدير للخلف ولو لمرة.

****

تشوشت رؤية دوديتا بسبب دموعها. لم ترد أن تنتظر حتى تأتي سيارة ليموزين، مثلما يفعل معظم الحضور. عوضاً عن ذلك، أسرعت راكضةً عبر موقف سيارات القصر لتخرج إلى الشارع. رغم الطرق الطويلة، والحدائق الشاسعة، والبناء الضخم، لا يزالون بقرب المدينة. المنطقة القديمة من ميلبورن والتي توحي بالثراء حيث كبرت، ولم تعثر على مكانها بينهم يوماً، ولم تحظَ بفرصتها للتحول من بطة إلى بجعة مطلقاً.

هل ستخبريني بإسمكِ؟

شتمت نفسها بينما كانت تسرع مهرولةً في الشوارع، فعلق كعب حذائها بتشقق صغير بالرصيف. رفعت تنورة فستانها بيديها، وركضت نحو الطريق الرئيسي، وقلبها ينبض بسرعة لخوفها من أن يتبعها جاسون فيعثر عليها.

"ما الذي كنتِ تتوقعينه؟"، تمتمت لنفسها، "أنه سوف يقبلكِ ويكتشف هويتكِ فجأة؟، أنتِ غبية!"

لكن هذا السؤال مزقها بالصميم، لأنها تمنت حدوث معجزة حقاً. لقد منحها جاسون كل ما احتاجته: الشغف والعاطفة والتوافق، لكنه انتزعه بعيداً عنها ما أن انتهى كل شيء بينهما. ولا يمكنها أن تغضب منه، فغباءها وسذاجتها هما سبب تحطّم قلبها.

بالطبع، شعرت بالجنون حين فكرت أنه قد يتعرف عليها. لكن ما أن فتح ذلك الرجل الغرفة، حتى باتت قلقة، وصوت أمها ينتشر كصفّارة الإنذار في رأسها.

ماذا فعلتِ؟ ماذا فعلتِ؟ ماذا فعلتِ؟

من الممكن أن تخسر جاسون! ماذا لو اعترفت له، وشعر أنها خانته؟ أو أسوأ.. خاب أمله؟

لا تستطيع تحمل ذلك لو حدث.

معرفتها أنه يتمنى لو كنت شخصاً آخراً سوف تدمرها. إنها لا تريد سواه، وبالحفاظ على هويتها سراً، يمكنها التعلق بأمل أنهما قد يصحبان سوياً ذات يوم.

****

نهاية الفصل الثامن

اغواء متنكر..... ترجمة ديلو..... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن