أبيّ بن كعب - ليهنك العلم، أبا المنذر
.
سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: " يا أبا المنذر..؟ أي آية من كتاب الله أعظم..؟؟ فأجاب قائلا: الله ورسوله أعلم.. وأعاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سؤاله: أبا المنذر..؟؟ أيّ أية من كتاب الله أعظم..؟؟ وأجاب أبيّ: الله لا اله الا هو الحيّ القيّوم.. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره بيده، وقال له والغبطة تتألق على محيّاه: ليهنك العلم أبا المنذر"...ان أبا المنذر الذي هنأه الرسول الكريم بما أنعم الله عليه من علم وفهم هو أبيّ بن كعب الصحابي الجليل.. هو أنصاري من الخزرج، شهد العقبة، وبدرا، وبقية المشاهد.. وبلغ من المسلمين الأوائل منزلة رفيعة، ومكانا عاليا، حتى لقد قال عنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما: " أبيّ سيّد المسلمين".. وكان أبيّ بن كعب في مقدمة الذين يكتبون الوحي، ويكتبون الرسائل.. وكان في حفظه القرآن الكريم، وترتيله اياه، وفهمه آياته،من المتفوقين.. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: " يا أبيّ بن كعب.. اني أمرت أن أعرض عليك القرآن".. وأبيّ يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما يتلقى أوامره من الوحي.. هنالك سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في نشوة غامرة: " يا رسول الله بأبي أنت وأمي.. وهل ذكرت لك بأسمي"..؟؟ فأجاب الرسزل: " نعم.. باسمك، ونسبك، في الملأ الأعلى"..!! وان مسلما يبلغ من قلب النبي صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة لهو مسلم عظيم جد عظيم.. وطوال سنوات الصحبة، وأبيّ بن كعب قريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهل من معينه العذب المعطاء.. وبعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى، ظلّ أبيّ على عهده الوثيق.. في عبادته، وفي قوة دينه، وخلقه.. وكان دائما نذيرا في قومه.. يذكرهم بأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماكانوا عليه من عهد، وسلوك وزهد.. ومن كلماته الباهرة التي كان يهتف بها في أصحابه: " لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوهنا واحدة.. فلما فارقنا، اختلفت جوهنا يمينا وشمالا"..
ولقد ظل مستمسكا بالتقوى، معتصما بالزهد، فلم تستطع الدنيا أن تفتنه أو تخدعه.. ذلك أنه كان يرى حقيقتها في نهايتها.. فمهما يعيش المرء، ومهما يتقلب في المناعم والطيبات، فانه ملاق يوما يتحول فيه كل ذلك الى هباء، ولا يجد بين يديه الا ما عمل من خير، أو ما عمل من سوء.. وعن عمل الدنيا يتحدّث أبيّ فيقول: " ان طعام ني آدم، قد ضرب للدنيا مثلا.. فان ملّحه، وقذحه، فانظر الى ماذا يصير"..؟؟
وكان أبيّ اذا تحدّث للناس استشرفته الأعناق والأسماع في شوق واصغاء.. ذلك أنه من الذين لم يخافوا في الله أحدا.. ولم يطلبوا من الدنيا غرضا.. وحين اتسعت بلاد الاسلام، ورأى المسلمين يجاملون ولاتهم في غير حق، وقف يرسل كلماته المنذرة: " هلكوا ورب الكعبة.. هلكوا وأهلكوا.. أما اني لا آسى عليهم، ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين".
وكان على كثرة ورعه وتقاه، يبكي كلما ذكر الله واليوم الآخر. وكانت آيات القرآن الكريم وهو يرتلها، أ، يسنعها، تهه وتهز كل كيانه.. وعلىأن آية من تلك الآيات الكريمة، كان اذا سمعها أو تلاها تغشاه من الأسى ما لا يوصف.. تلك هي: ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).. كان أكثر ما يخشاه أبيّ على الأمة المسلمو أن يأتي عليها اليوم الذي يصير بأس أبنائها بينهم شديدا.. وكان يسأل الله العافية دوما.. ولقد أدركها بفضل من الله ونعمة.. ولقي ربه مؤمنا، وآمنا ومثابا..