الفصل الثاني (الرجل الملعون)....
تجمدت مكانها وهي تسمع تلك الكلمات التي خرجت كالرصاصة لتصيب منتصف قلبها مباشرة....ارتعش جسدها ولمعت عينيها بالدموع وهي تنظر إليه بصدمة ...ابتلع مصعب ريقه وهو ينظر إليها ...لا يعلم كيف تمكن من كسرها بتلك الطريقة ولكنه يعرف انه إذا مكث معها اكثر من هذا فلن يتركها الا وهي زوجته قولا وفعلا ...لن يتركها حتي يشبع ذلك الجوع الذي يغزو روحه ...رباه هي لا تفهم ...لا تفهم إنه ليس مناسب لها ...هو رجل ملعون ...ما زالت روحه سجينة الماضي والتحرر ليس متاحا له بل قدره ان يظل سجين...قدره ان يظل تعيس...هو لا يستحق السعادة ...لا يستحق هذا العشق جل ما يستحقه هو الغرق في حزنه حتي يموت !....
لم يتحمل نظراتها المنكسرة ...ولا جمالها الذي يضعف من عزيمته لذلك اخرج ثيابه من الخزانة ..وولج للحمام ...ظلت مرام مكانها تستوعب رفضه لها بذهول ...لقد بدا وكأنه لا يطيقها ابدا...وهذا لم يجرح كبرياؤها فحسب بل حطمه كليا ...شعرت بالرخص وهي تلقي نفسها علي زوجها وهو يرفضها بتلك القسوة ...انتفضت عندما خرج من الحمام ...ومن بين دموعها كانت تري نظراته الحزينة المشفقة ...وتلك كانت ضربه اخري لقلبها ...هو يشفق عليها ولكن لا يحبها ...لم ينتظر مصعب اكثر من هذا بل خرج سريعا من المنزل ...يحمي نفسه منها فهي لا تدرك كم لها تأثير سئ عليه ....
انهارت مرام في البكاء ما ان شعرت بباب الشقة يغلق بعنف ....جلست علي الأرض وهي تبكي بقوة ...قلبها كان يؤلمها ...لقد ظنت انها سوف تكون سعيدة معه ولكنه حطمها فعليا ...ظنت ان الحياة أخيرا ابتسمت لها ولكنها الآن تعيش الجحيم بعينه. ..نهضت بغضب ووقفت امام المرأة وهي تنظر الي نفسها بقهر ....تنظر الي المجهود الذي بذلته لكي ترضيه ولكنه قابل هذا بالامبالاة قتلتها ...
-هذا قدرك مرام ..قدرك التعاسة ...لن تكوني ابدا سعيدة ...
كانت تتحدث بسخرية وهي تنظر الي نفسها في المرأة بينما دموعها لا تكف عن الانهمار ...ضحكت بجنون وقالت :
-هل ظننتِ انه سيرضي بك بعد ما حدث؟!هل ظننت أنه سيحبك ويجعلك سعيدة ؟!!الحب ليس لكِ مرام أنتِ لا تستحقيه..تستحقين الشقاء فقط !!الشقاء!
صرخت في كلمتها الأخيرة ثم أوقعت زجاجات العطور الموضوعة علي طاولة الزينة لتتهشم جميعها ...نظرت مرام بنظرة ميتة الي الزجاج المهشم كروحها تماما ثم اقتربت منه وهي تجلس بجواره ...أمسكت قطعة زجاجة كبيرة وهي تبتلع ريقها بتوتر وشيطانها يهتف داخلها ان حركة واحدة وسوف ترتاح ...فقط كل ما عليها فعله هو تمرير تلك القطعة علي معصمها وكل الالم سوف يختفي ... وبالفعل قربت الزجاج من معصمها وهي تبكي ...الحياة لم تكن عادلة معها ...رغم إيمانها بأن الله سوف يعوضها بكل تأكيد عن الكوارث التي حدثت لها إلا أنها تكتشف أنها تعيش تعاسة جديدة ...تكتشف أن السعادة لم تكتب لها ...وهي قد تعبت ...لا تستطيع الصراع بعد الان لقد استسلمت نهائيا ...كلام طبيبتها كان خاطئ ...هي ليست قوية ...بل هي أضعف من أن تتحمل هذا الالم ...مررت الزجاج علي معصمها ولكن ما أن رأت الدماء حتي ذعرت وفاقت ....ألقت قطعة الزجاجة برعب ونظر الي معصمها الذي به جرح بسيط ونهضت وهي تستغفر ربها ...كيف تفعل هذا ؟!!كيف تمكن منها شيطانها ...لتلك الدرجة هي ضعيفة ...اين ذهب إيمانها بالله وكل الكلام التي قالته طبيبتها...مسحت دموعها ثم اتجهت للحمام ....
......
بعد قليل خرجت وقد أخذت دوش سريع لينعشها قليلا ...ثم ارتدت إسدال الصلاة ...الصلاة هي ملجأها ...كلما شعرت بالحزن تصلي لله وتدعوه ان يخفف عنها ...قد تستمر بالصلاة طوال الليل فقط لترتاح ...هي تحب لقاء الله تشعر بالراحة وهي تسجد وتقول لله ما يحزنها...تبكي ...وتبكي لترتاح ...وهذة المرة أيضا بكت ...ما أن سجدت حتي انفجرت بالبكاء ...خجلة هي مما كانت ستفعله قبل قليل ...خافت أن يغضب الله عليها لأن إيمانها به ضعف ولو للحظة واحدة فقط...دعت كثيرا أن يسامحها علي ذلك الخطأ ووعدته الا تكرره مجددا ...ستتحمل البلاء بنفس راضية ...فالله يبتلي العبد الذي يحبه والله بالتأكيد يحبها...لهذا يختبرها وهي يجب أن تكون صابرة علي هذا البلاء ....
بعدها بدقائق ....
كانت تجلس علي سجادة الصلاة وهي تستغفر ربها :
-يا الله لا اعرف كيف فعلت هذا ...ارجوك سامحني أنا سأصبر ومتأكده انك سوف تعطيني السعادة التي استحقها....يا الله اجعله يحبني ...لم اظن يوما أن أطلب شخص بعينه يحبني ولكني احبه ...بنيت حياتي معه ولا اتخيل حياتي بدونه فأجعل قلبه لي ...واهديه يارب ....وقدر لي السعادة معه ...
تنهدت ثم نهضت وطوت سجادة الصلاة ..ثم خلعت إسدال الصلاة. وارتدت منامتها القطنية وتسطحت علي الفراش وهي تتساءل اين ذهب يا تري في هذا الوقت ولماذا لم يعد حتي الان؟!!
.....
كان يجلس علي الاريكة بمنزل صديقه أنس ...ابتسم مصعب وهو يتذكر صدمة صديقه القوية عندما رأه امامه ...كيف انهالت للاسئلة علي رأسه ولكنه لم يجيب علي اي منها بل اتجه الي الاريكة وانهار عليها بتعب ...لم يتكلم انس بل ذهب بسرعة ليحضر له شيئا ليشربه ...
....
-حقا انت لا تكف عن إثارة صدمتي يا رجل ...ماذا تفعل هنا وانت عريس جديد لم تكمل ثلاث ايام ...تلك ايام سعادتك يا صديقي فاستغلها جيدا ...
قالها انس وهو يقدم له عصير الليمون بالنعناع ليأخذ مصعب الكوب منه ويقول:
-انت تعرف لماذا تزوجتها يا انس ؟!أنا لن ادخل مرام حياتي وادمر حياتها !
هز انس رأسه وقال بذهول :
-هل فقدت عقلك مصعب ...الفتاة تعشقك كلنا نعرف هذا ! الاعمي يري هذا ...
تنهد انس وقال :
-مصعب انسي الماضي وانظر الله اعطاك فرصة اخري لتكون سعيدا ...لديك زوجة رائعة تعشقك .. تحتاجك...كن انت ملاذها واجعلها ملجأك ..واحذف الماضي من حياتك ...
نهض مصعب وهو يقول :
-لا لا هذا مستحيل ...لن ادمر حياة مرام ...هي لا تستحق هذا ...يكفي ما فعلته بعلياء ...يكفي انني احمل هذا الذنب حتي الآن ...
نهض انس وامسك ذراع مصعب وهو يقول بقوة ...هذا الاحمق يجب أن يفهم والا يعيش سجينا للماضي:
-افهم لا غبي ما حدث لعلياء لم يكن ذنبك ...أنت لست مذنب ...
تصاعدت الدموع في عيني مصعب وقال:
-لا ما حدث لها كان ذنبي ....ذنبي وحدي يا أنس ...وان قررت أن أدخل مرام المتاهة التي تدعي حياتي ستتدمر هي الآخري وانا لن اتحمل هذا العذاب ...يكفي ما حدث في الماضي ....ليس لدي حق بالحب ...
ابتلع ريقه وأكمل قائلا:
-مرام ما أن تتطلق مني ستجد من يعوضها عما حدث...ستجد شخص جيدا ...وهذا الشخص ليس أنا ....أنا رجل ملعون لا استحق امرأة مثلها ...لا استحق أن انال الحب الذي تظهره لي بسخاء ...
نظر أنس الي صديقه بقلب مفطور ...مسكين مصعب ما زال سجين الماضي. . ما زالت روحه معذبة ولا تستطيع الخلاص أو بمعني أدق ...هو من يسجن روحه في ظلام الماضي ...يحمل ضميره ذنبا لم يرتكبه....
تنهد انس وقال وهو يشد علي كف صديقه؛
-لنفترض انك طلقتها يا مصعب الن تدمر حياتها بتلك الطريقة ...انت تعرف المجتمع الذي نعيش به ...ما أن تطلقها حتي ستنهش في عرضها ألسنتهم...الا يكفي ما عاشته مصعب حتي تأتي انت وتدمرها تماما ...حرقت الدموع عيني مصعب . قال:
-لن أسمح لأي أحد أن يهينها...مرام ستبقي بأمان معي حتي أطلقها وانا من سيتكفل بكل شئ ...سأبعدها عن أي اذي ...سأجعلها تنهض مجددا وتبني حياتها ...أنا صحيح سأطلقها ولكني لن اتخلي عنها ابدا ...
ضحك أنس بذهول وقال:
-انت تحبها مصعب ...اعترف بهذا !!!
بهت مصعب وهو ينظر إليه وقال :
- انت مجنون بالتأكيد يا أنس ...مستحيل مرام هي ..
-لا تكذب علي !أنا اعرفك جيدا ...لديك مشاعر لتلك الفتاة ولكن بسبب تخلفك تضيعها من يدك ....
نهض مصعب وهو يقول :
-لا ...أنا لا احبها ...ولن احبها ابدا وبعد ستة اشهر بالضبط سأطلقها ...ما اكنه لها هو الاحترام ...إن كنت أحبها كنت سأعترف بكل تأكيد ...
تنهد انس وقال:
-افهم يا مصعب انت تضيع فرصة عظيمة من يدك ...مرام امرأة مذهلة ...هي من ستجعلك سعيدا ...انت لديك حق ان تكون سعيد يا صديقي ...ارجوك لا تضيع الفرصة من يدك بسبب اوهام في عقلك ...فكر ارجوك ....
اتجه مصعب الي الباب ذاهبا وقال:
-انا متأكد من قراري ...تلك الفتاة تستحق من هو افضل مني !...
ثم فتح الباب وذهب ...
هز أنس رأسه وقال:
-ستندم يا غبي !
.....
كان مصعب يقود سيارته.... وجهه جامد ولكن بداخله صراع لا ينتهي..يخاف بشده ان يؤذي مرام أكثر من هذا ...يجب أن يتوصل مع حل معها وهذا لن يتم إلا بالنقاش ...يجب أن يتحدث معها ...يجعلها تفهم أن زواجهما لحمايتها وهو مؤقت ..ما أن يتأكد أنها بخير سيتركها ...ليتها تفهم هذا ولا تصعب الامور ....
.......
وصل الي منزله ..فتح الباب بحذر وعينيه تدوران بحثا عن طيفها ولكن لم يجدها ...ولج لغرفتهما ليتجمد وهو يراها نائمة علي الفراش ...شعرها يرتاح بجوارها علي الوسادة...ترتدي منامة قطنية مريحة ومن انتظام أنفاسها أنها غارقة بالنوم ...ظل واقفا للحظات وهو يتطلع إليها ويتساءل ماذا رأت امرأة رائعة الجمال به لتحبه...يعترف بأسف أن مرام صاحبة جمال نادر ...لم يري ما هو اجمل منها ...لو كانت انتصرت اهواءه علي ضميره الليلة ما كان يتركها الا عندما تصبح زوجته فعليا ...قد يكون لا يحبها ولكنه يعترف أنه يشعر بإنجذاب غريب لها ....يحب أن ينظر إليها ...يحب أن يري لمعان عينيها ...يعشق شعرها الطويل وكم أراد أن يداعبه ...لو لم يكن رجل ملعون لكان اعطي لزواجهما فرصة ولكن ماضيه يقف له بالمرصاد.....اقترب منها وهو يزيح شعرها عن وجهها بينما ابتسامته مرتسمة من الأذن للأذن...
........
في اليوم التالي
كانت رولا تجلس علي طاولة الطعام تشرب قهوتها بينما عينيها جامدة لا تحمل أي تعابير ولكن الضوضاء كانت داخلها ..غضب وقهر وهي تتذكر اصوات ريم التي ظلت تسمعها طوال الليل ...ما حدث بالأمس احرق روحها ...تعرف انها أخطأت ولكن عقابه صعب ....أن يتزوج عليها ويلمس زوجته وهما في نفس المنزل هذا كان أكثر مما تتحمله ...ولا تعرف الان هل ترضي بعقابها ام تتركه ولكن الاصرار الذي بداخلها كان له رأي آخر ...هي اتت لتعيد زوجها لها ...ستنسي الانتقام واي شئ اخر ...هي تحتاجه للاسف ...ستموت لو كان مع غيرها ...ولاول مرة تعترف انها خطئها اكبر ...هي من دفعت زوجها ليفعل هذا ...هي من قتلت طفلهما...تصاعدت الدموع في عينيها السوداء وهي تتذكر ما فعلته بإبنهما ...ولكن مبررها الوحيد أنها كانت مرعوبة ففي ذلك الوقت الذي عرفت بوجود طفل في احشائها أصابها الرعب ...وعادت اشباح الماضي تطارد روحها ..اشباح الماضي ذاتها التي تناستها قصدا واخرجتها من حياتها ووقفت علي قدمها وعاشت ...عافرت حتي تنساها علي الرغم من الكدمات الموجودة بروحها قبل جسدها عاشت وعشقت وتزوجت ...حاولت قدر الإمكان أن تسعد زوجها ولكنها كانت تفشل وعلي الرغم من أنه لا يعرف شيئا إلا أنه تفهمها ...لم يجبرها أو يصرخ بها ...تحمل نوبات فزعها وتوترها وحاول كثيرا أن يفهم السبب ولكنه كانت منغلقة علي نفسها لا تسمح حتي لزوجها بإقتحام مساحتها الخاصة ...كانت تتألم لوحدها ولكن بإرادة نهضت مجددا ...لم تعرف رولا الاستسلام ...أن كانت قد تعلمت شيئا من تجربتها فقد تعلمت أن الضعيف يموت ...من يستسلم بسهولة يموت وهي تحب الحياة ..تحبها كثيرا ... وبقي هناك سؤال واحد يدور في خيالها ...تري لو عرف زوجها بما مرت به هل كان سيتفهم رغبتها في أنها لا تريد اطفال ...هل سيستوعب الاذي النفسي الذي تعرضت له ام سيتركها ويحطمها...هل حبه سيختفي عندما يعرف حقيقة من تكون وكيف عاشت في الماضي وأن تلك المرأة الراقية صاحبة شركة مشهورة لتصميم الازياء ما هي الا امرأة محطمة من الداخل
...روحها سجينة ماضي مقيت ربما لو عرفه سيشمئز منها وربما يتركها للأبد. ..
وضعت رأسها علي الطاولة وهي تقول بتعب :
- يا الهي ماذا افعل؟!!