الفصل الأخير♥️

2.4K 245 18
                                    

الفصل الأخير(عدت الي قلبك)
-كنت اعرف أنك لن تحافظ عليها ...كنت اعرف السواد الذي يحتل روحك ...كنت أشعر أنك اتخذتها وسيلة لإنتقامك المريض...
كانت والدته توبخه بقوة بينما تحتضن جلنار وهي تبكي ...بينما امير كان يقف صامتا عينيه لا تحيدان عن الأرض يتذكر بخوف ما حدث الساعة السابقة...لقد علمت والدته بما فعله...كيف علمت؟!لا يعرف بالضبط فقط وجدها امامه تنظر إليه بخيبة آمل ومعاها والد سها ..
-هذا ليس خطأ امير فقط مدام مريم بل ابنتي سها أيضا تتحمل جزء كبير من الخطأ...
قالها والد سها وهو ينظر الي ابنته بغضب ثم اقترب منها وامسك ذراعها وقال:
-هذا خطئي اني جعلتك تعيشين مع خالتك .
ابتسمت سها بسخرية وقالت:
-نعم ابي هذا خطأك فأنت انشغلت بزوجتك الجديدة بعد وفاة امي ونسيت ان لك ابنة لتربيها ...
قطع كلامها صفعة قوية منه ...وضعت سها كفها علي وجهها وترقرقت الدموع بعينيها ... كانت تنظر لوالدها بحزن بينما هو يتطلع إليها بحقد و قرف ..تلك الفتاة عبأ عليه كم تزعجه بسبب تصرفاتها المنحلة ولكن هو سيضع حد لهذا ...امسك ذراعها وقال بقسوة:
-ستعودين معي وستتزوجين من ابن عمك عامر دون أي نقاش ...أخطأت عندما تركت لك الحرية ولكن سأصلح هذا الخطأ ...
نظرت إليه سها وهي تبكي بينما شعر امير بقبضة باردة تضغط علي قلبه ...في لعبة الانتقام تلك خسر هو وسها ...وهو ليس مندهشا فنيران الانتقام ستطاله هو اولا ...راقب هو بيأس والد سها يسحبها خلفه ...ما أن خرج حتي استعد لسماع عقابه ...ليس لديه حق الاعتراض أو الدفاع فهو مذنب والضحية الحبيب ..كان يختلس نظرات الي جلنار التي ترفض النظر إليه حتي ...مشتاق هو إليها طالبا فقط فرصة ليصحح كل أخطائه ....نظرت إليه والدته ...كان مذهولة...هي تعرف أن قلبه يحتله الحقد من ناحية جلنار ...كانت تعرف ان جلنار ستتعذب معه وقد حاولت كثيرا ان توقف هذا الزفاف. ولكن جلنار كانت مغرمة به ...كانت عمياء لدرجة انها لم تري الحقد بعينيه وقد تمكن منها وابتعد بها واذاها لولا صديق امير حسام ,لم تكن لتستطيع انقاذه منها ...ولكن تنتهي الأمر الآن سوف تبعدها عنه للأبد ...نظرت الي امير بصرامة عينيها السوداء تخبره ان ما ستقوله الآن لن يعجبه ابدا!
-ستطلقها !
هكذا أصدرت والدته حكم الاعدام عليه ..هز رأسه برفض وهو ينظر لوالدته ولكن الإصرار بعيني مريم كان كبير وهي تقول بهدوء:
-كنت اعرف انك ستؤذيها وقد حاولت أن امنع هذا الزفاف بأي طريقة ولكنك استطعت أن تخدعنا يا أمير ...يكفي الي هنا ...يكفي هوسك بالانتقام ...أخبرتك أن جلنار ليس لها ذنب بما حدث لماذا تعاقب فتاة بريئة مثلها علي أخطاء الآخرين !!!
اطرق أمير بوجهه وللمرة الأولى يشعر أنه مخطئ ...مخطئ عندما تمسك بالانتقام وسمح له بالتغلغل الي روحه ...لقد احترق هو بنيران الانتقام وخسر حب حياته وها هي والدته تنوي سلبها منه ولكنه لن يسمح بهذا ...جلنار له ...امرأته ..وزوجته التي لن يتخلي عنها ...نظر الي والدته وقال:
-لن اطلقها ستبقي معي حتي الموت ...
ابتسمت والدته ببرود وقالت :
-هل تظن انه لا يمكنني أن اجعلها تتحرر منك ...يمكننا أن نرفع دعوة خلع مثلا حتي تتخلص من شخص مريض مثلك ...يحاسب فتاة بريئة علي اخطاء الاخرين....
ابتلع امير ريقه بخوف بينما قالت والدته بهدوء :
-سنعود لمنزلنا ثم ستطلقها دون اي مشاكل ...هل فهمت ؟!!
...... ...
عادا الي المنزل بقلب منفطر متوجس...كلا منهما يفكر أن تلك هي النهاية ...جلنار مكسورة القلب التي احبت رجل اذاها واحرق قلبها ...وأمير الذي بات يقتنع أن الغفران صعب المنال ...والدته تقف ضده وهو يعرف كم والدته عنيدة ...ستطلقها منه ...ستنتزع الحياة من جسده وتتركه بلا روح ...بلا قلب !!!
استقبلتهم جميلة بتوجس فهي قد عرفت ما فعله  شقيقها العزيز ...وغضبت منه ...لا تصدق أن شقيقها ...من اعتبرته قدوة لها يصبح بتلك الدناءة ...يحطم فتاة لا ذنب لها بسبب أخطاء أشخاص لم يعودوا علي قيد الحياة من الأساس ...فيما كان يفكر بالضبط ؟!!كيف يقوم  شقيقها الواعي بتلك التصرفات الطفولية ...لقد كانت حقا تحترمه ولكن ليس بعد الان ....حدجته بنظرات قاتلة ثم أمسكت كف جلنار وصعدا معا الي غرفتها بينما بقت مريم مع أمير ...
كان امير علي وضعه ...يضع رأسه في الأرض ولا يجرؤ أن يرفعها ...طيلة طريق العودة لم يحاول قول شئ لأن بالأساس لا شئ يبرر ما فعله ...لقد استوعب هذا اخيرا ...استوعب أن جلنار ليس  لديها ذنب فيما فعلته والدتها ...لقد اعماه الانتقام ...ولكنه كان يري والدته تموت كل يوم ...لم تستحق هذا ...لقد كانت امرأة رائعة ...زوجة محبة وام مثالية للغاية ... كانت لا تقصر ابدا في اي شأن من شئون المنزل ولكن رغم ذلك والده حطم قلبها وتزوج من اخري لا تضاهيها روعة حتي ...ووالدته عندما عرفت هذا انكسرت ...لقد رأي شيئا ينطفأ في عينيها ...لقد فقدت الثقة في نفسها ...والدته كانت دوما قوية ..واثقة ومحبة ولكن والده بفعلته تلك دمرها ...لقد رأي والدته تموت كل يوم ...وكانت كلما تتعذب كلما يكبر الكره بقلبه من ناحية والده وصفاء ...لهذا اقسم أن يذيق ابنة صفاء من نفس الكأس الذي ذاقته والدته...أراد أن يكسرها كما عاصم وصفاء  كسروا  والدته ولكن نيران الانتقام لم تحرق سواه ...فهو وقع في حب جلنار وخسرها ...وهي لن تغفر لقد رأي هذا في نظراتها  الباردة ...وتجاهلها التام له ...بدت وكأن مريم اتت إليها لتنقدها من بين يديه ....نظرت اليه والدته وبدأت في التحدث ببرود تام :
-متي ستطلقها امير ؟!!يجب أن يتم الطلاق بسرعة.
اقترب منها وهو يقول بصوت متوسل :
-امي اسمعيني ارجوكِ ...
ولكنها أوقفته بإشارة من كفها وقالت:
-يكفي ما فعلته بالفتاة يا أمير ...انت يجب أن تطلقها ... مستحيل أن اتركها معك ...انت ليس لك أمان ...
ازدرد ريقه بصعوبه لتقول وهي تشعر أن عقلها سينفجر بسببه :
-كيف فعلت هذا بني...كيف تستغل عاطفة فتاة بريئة؟!!ما هو مبررك بالضبط أنا لا افهم!!!أقنعت الجميع انك تحب الفتاة ورغم عدم ثقتي بك الا أنني حاولت تصديقك لاني اخبرت نفسي انك ابني الذي ربيته مستحيل أن يؤذي فتاة لا ذنب لها ...ولكن انت أمير ...خيبت ظني بك !!
اطرق رأسه للاسفل ...كان خجل من فعلته ...لا يعرف اين كان عقله وهو يقوم بتلك الحماقة ولكن الانتقام أعمي عينيه وشيطانه غلبه ...
أمسكت والدته ذراعه وهي تقول بغضب:
-اخبرني أمير كيف فعلت هذا ؟!كيف ؟!وما هو مبررك ؟!
-بسببك أنتِ
صرخ امير وهو يبتعد عنها ثم أكمل :
-بسببك انت ...كنت اتعذب وانا اراكِ تنهارين بسبب خيانة والدي ....اتعذب وانا اري ان ثقتك أصبحت هشة ...اتظنين أنني لم اسمع بكاءك كل ليلة ...لم تشهد لحظات انهيارك ...امي نحن تجاوزنا هذا معا اتتذكرين...كنت أنا معك في كل خطوة ...أنا من بقيت بجانبك حتي تقفِ مجددا وأري امي القوية ولكن للاسف خيانته حطمت شيئا كبير بك ...ومنذ ذلك الوقت شعرت أنك  فقدت بريقك وأصبحتِ كظل باهت ...وبسبب هذا كرهت  والدي  كثيرا وكرهت  صفاء وكل ما يتعلق بهما ...لذلك كنت  افرغ غضبي  بجلنار المسكينة ولكنني اقسم  أني نادم علي هذا ...نادم كثيرا وأريد فرصة واحدة فقط لتصحيح هذا الخطأ
-انت أسوأ منه ...أسوأ من والدك بكثير !
ألقت الكلمات في وجهه ليتراجع وكأنها طعنته في قلبه ...
تصاعدت الدموع لعينيه وقال بصوت مهتز:
-اسوأ منه ...هل أنا أسوأ من ذلك الرجل الذي قتلك وانت علي قيد الحياة ...أسوأ من الرجل الذي أحرق قلبك وهو يعرفك بكل برود علي ابنة زوجته الراحلة...اخبريني!!!
صرخ في كلمته الأخيرة لتصرخ مريم بدورها وتقول :
-تأدب ولا ترفع صوتك ...هل نسيت من اكون انا والدتك !ونعم انت أسوأ منه لانك اختارت أن تنتقم من فتاة لا ذنب لها ...حرقت قلب فتاة بريئة كما هو احرق قلبي ...علي الاقل هو تزوج خطأه الوحيد أنه لم يخبرني وضعني تحت الأمر الواقع ...ولكن انت ...انت ماذا فعلت بكل قسوة تكذب وتخدع وتغري فتاة ثم توقعها في حبك لتنتقم من والدتها الميتة ...انت مريض امير ...مريض ولا تستحق جلنار وستطلقها هل فهمت ؟!!لن اتركها علي ذمتك يوم اخر
مسح دموعه التي انسابت خلسه منه وقال ببرود :
-لن أطلق ...هذا مستحيل يمكنك رفع قضية وفضح ابنك في المحاكم ولكني لن أطلقها...
نظرت إليه بصدمة ثم اقتربت وهي تمسكه من قميصه وتصرخ به ...
-ما خطبك انت ...ما خطبك ؟! يكفي ما فعلته بالفتاة لقد دمرتها ماذا تريد بعد ...هل هذا تربيتك تستغل بنات الناس لتحقيقك انتقامك المريض ...ستطلقها...هل فهمت ؟!!
-لا لن اطلقها...اقتلوني اولا ...أنا احبها ...احبها لما لا تفهمين ؟ام تستكثرين علي غيرك الحب لانك لم تحصلي عليه فالشخص الوحيد الذي احبك قام بخيانتك
ارتفع صوته عليها لتصفعه بقوة وتقول:
-اخرج من هنا ...لا اريد رؤيتك ...انت مت  بالنسبة إلي !!
تنهد وهو يشعر بتأنيب الضمير ...كيف يحدث والدته بتلك الطريقة !!!...لمعت الدموع بعيني مريم ولكنها حبستها بمهارة وهي ترفع راسها بكبرياء ...
-امي أنا ...
-اخرس لست امك ...هيا أخرج من هنا ...لا اريد ان اراك الا تفهم !!!!
ابتلع ريقه والذنب ينهش قلبه ...كيف قالها ...كيف جرح والدته بتلك القوة ...كيف ...ولكنه لم يقصد هذا ...الله فقط يعلم كم يحب والدته ...يحبها أكثر من حياته كلها ...ولم يقصد أن يفعل هذا ....
تنهد وهي يبتعد عنها خارجا من المنزل ....بعد ذهابه انهارت مريم علي الاريكة وبدأت في البكاء بقوة !!
........
-يكفي حبيبتي ...يكفي هو لا يستحق تلك الدموع ..
قالتها جميلة وهي تربت علي ظهر جلنار التي تبكي بقوة ...كانت غاضبة حقا من شقيقها ...كيف فعل هذا ؟!!هي لا تستوعب....هل جعله الحقد مجنونا لتلك الدرجة ؟!...ظلت جلنار تبكي بين ذراعيها وكأن كل ثباتها انهار الآن ...لقد انكشفت لعبته وهي في امان ولكن لما قلبها يؤلمها لتلك الدرجة ؟!!!
..
لقد مر وقت طويل منذ اتي آخر مرة لهنا ...ليكن  صريحا هو لم يأتي هنا الا عندما مات والده ....رغم الحزن العميق الذي كان ينهش داخله ولكن الحقد كان اقوي. ..وقد منع نفسه قسرا من الا يأتي ...كان يريد المضي في طريق انتقامه...لا يريد لشئ ان يضعفه ...ومعاناة  والدته كانت وقوده ....تصاعدت الدموع لعينيه وانسابت بحرية وهو  ينهار بجانب قبر والده ويقول:
-لماذا اذيتها لتلك الدرجة ؟لماذا؟!لقد كانت تحبك اكثر من اي شئ ...وقفت  امام الجميع فقط لتكون معك ...انت اخبرتني انها جوهرة ....كلامك الكثير عنها جعلني اعشقها اكثر واكثر ...لماذا لم تحترمها ...لماذا قتلتها بأخري يا ابي لماذا؟!...
ضم امير قبضته وهو يبكي ويبكي ...هو لا يستطيع لومه علي الحقد الذي احتل قلبه ...هو فقط يلومه  لانه حطم قلب نقي كقلب والدته ...خان عهودهم وهي لا تستحق هذا ...مسح امير دموعه وقال بإصرار:
-لكني لن اكون مثلك يا ابي ...أنا لن اتخلي عن جلنار حتي تغفر لا يهم كم من الوقت سوف انتظر ولكني اعرف انني لن استسلم حتي أموت ...
ثم نهض وهو ينفض ملابسه وقال:
-لنا لقاء قريب يا ابي ..وداعا
ثم ذهب
............
مرت الايام وأمير لم يعود للمنزل فقط يحاول التواصل بجلنار... يكتب لها دوما علي بريدها الإلكتروني ...يتوسل لتسامحه ولكنها كانت تتجاهله تماما ...كان يخاف ان يعود للمنزل فتجبره والدته علي الطلاق فكان يتجنب هذا ...لا يستطيع أن يطلقها هذا مستحيل  ...هو يحبها ...بل يعشقها وطلاقها لن يتم الا بموته ...لهذا عندما عُرض عليه أن يحضر  المؤتمر الطبي في لندن قرر السفر والذهاب الي هناك بالفعل دون اي انتظار ...هو سيبتعد نعم ولكنه لن يتوقف عن طلب الغفران منها حتي تغفر وترجع لتضئ حياته من جديد...
.....
بعد اسبوع. ...
كان بالمطار عينيه تدوران بحثا عن جلنار او مريم او جميلة ...لقد اخبر جميلة بسفره وتوقع انهم سوف يهرعان إليه ولكن للأسف لم يأتي احد ...تنهد وهو ينهض مستعدا لرحلته الا ان قدوم جميلة جمده مكانه. ...اقتربت جميلة منه واحتضنته وهي تبكي قائلة:
-لا تفعل هذا اخي لا تسافر ...سأتحدث مع والدتي ولكن لا تبتعد أرجوك
ابتعد امير وتنهد وهو يمسك كفها ويقول :
-يجب ان ابتعد ... والدتي ستصر علي الطلاق وانا اموت ولا أطلق جلنار ...ولكني لن اتوقف عن طلب غفرانها جميلة ...سأكتب لها دوما وسأكلمها يوميا حتي تشتاق الي وتغفر ...
تنهد بإحباط وقال:
،-والدتي رفضت ان تحضر وتودعني صحيح ؟!
اطرقت جميلة برأسها ليهز أمير رأسه ويقول:
-اتفهم الأمر ...أنا سأغيب كثيرا يا جميلة لن اكتفي بحضور المؤتمر ...سوف ابقي هناك سنة
-سنة يا أمير
صاحت جميلة بصدمة ليهز امير رأسه ويقول :
-اريد ان ابتعد قليلا  ...وسأعمل هناك في مشفي كبير لقد طلبوني بالأسم ...
-لكن ...لكن
قالتها جميلة بحزن ...امسك أكبر كفها وقال:
-سنتواصل دوما حبيبتي لا تقلقي ....
انسابت دموع جميلة ليقبلها أمير علي جبهتها ويذهب !....ومن بعيد كانت مريم تتابعه بقلب يتمزق من الحزن ...تتابع ابنها العزيز يترك البلاد وهي ليس لديها القدرة علي توديعه حتي ...ولكن كلماته ما زالت تؤلم قلبها....تمنت ان تنسي كل شئ وتهرول وتضمه إليها متوسلة اياه ان يعود ولكن ربما الابتعاد الأن هو الحل الأمثل له هو وجلنار ...
......
وصل الي لندن واستقر هناك ....مرت عده اسابيع لتتنازل والدته وتكلمه ...تعبر عن اشتياقها الشديد له وهذا اسعده بشدة ...فقد علم ان دعاء والدته سيرافقه ايام الغربة المريرة ولكن جلنار رفضت التواصل معه حتي ...كان يكتب له يوميا يسألها الغفران ولكن لا رد وكأن نفته من حياتها وهذا كان يقتله. ....
.....
جلس امام الحاسوب الخاص به وقد قرر ان يبعث لها رسالة مرة اخري وهذا كانت عادته منذ اتي الي هنا يبعث العديد من الرسائل دون رد ولكنه لم يفقد الامل ...كان مصمم ان يكلمها ويعتذر حتي تغفر....هو من حطم قلبها وهو من سيداويه ...
مرت اصابعه علي لوحة المفاتيح وبدأ رسالته المعتادة:
-حبيبتي مرت أربع شهور وانا لا اتوقف عن الكتابة لكِ ...ولن اتوقف حتي تغفرِ لي ...
تصاعدت الدموع لعينيه وهو يكمل :
-لقد اشتقت لكِ حقا ...ايامي هنا مظلمة بدونك وقد عرفت ان قلبي لم يعرف النور الا معك انتِ ...لقد احببتك دوما جلنار ...احببتك كثيرا ...احببتك دوما ولكني كنت انكر هذا ...لان الانتقام قد اعمي عيناي ...ارادت الانتقام بشدة ...كنت مهووس به ولكني من احترقت أولا به....ارادت ان احطم قلبك ولكن قلبي أنا من تحطم ...ولكن رغم هذا سأعتذر ...سأطلب الغفران حتي أموت...
عض شفتيه ودموعه تنساب ثم أرسل الرسالة لها...اغلق حاسوبه وعلي فراشه البارد نام كالاموات ...
.......
علي الجانب الاخر ..كانت تقرأ هي رسالته وتبكي ...الندم يقطر من كل حرف من حروفه ...ولكن قلبها ما زال محطم ...ما زالت لا تستطيع الغفران ولكن ربما يوما تغفر له ...هي لن تغفر حتي تتعافي ...
اغلقت جلنار حاسوبها وهي تمسح دموعها وتنهض ...ان كان يريدها ان تغفر ليحاول اكثر هذا لا يكفيها ...
.....
بعد مرور ثمانية شهور
اخبرني امير أنه سوف يعود اليوم
قالتها جميلة وهي متحمسة فهي ستري أخاها بعد سنة تقريبا هو سيحضر حفل خطوبتها ...ارتج قلب جلنار وهي تسمع هذا الخبر بينما تصاعد الشوق داخلها وهي تفكر انها ستراه بعد سنة ...سنة من العذاب والشوق والدموع ...لقد رفضت توسلاته من قبل ...رفضت ان ترد علي رسائله......رفضت أن تعود له وهو رفض أن يطلقها واختار أن يبتعد ...ولكنه لم يتوقف عن الاطمئنان عليه ...كان لديه امل أن تغفر ...وهي ايضا ..كان بداخلها امل قوي أن تغفر له وتعيش معه بقية حياته ...أن ينسيا الماضي البغيض ويعيشا معا ...
نظرت جميلة الي ملامح جلنار...كان يبدو عليها الصراع بينما هناك ستار من الدموع واضح في عينيها ...نظرت إليها بشفقة ...واقتربت منها وقالت:
-لما لا تنسين جلنار ...اخي طيلة تلك الشهور لم يتوقف عن طلب غفرانك...ولم يتوقف عن السؤال عنك ....اعطيه فرصة اخري ...سامحيه ارجوكِ ...
مسحت جلنار دموعها التي انسابت سريعا وقالت مغيرة الموضوع:
-دعك مني الآن يا أمير...هيا للتسوق حفل خطبتك غدا ام نسيتِ ..
تنهدت جميلة بإحباط بينما سحبتها جلنار خلفها
.........
خارج المطار...
وقف أمير وهو يستقل سيارة أجرة ...جلس براحة بعد عدة ساعات من السفر في السيارة وهو يعطي للسائق العنوان ...بينما عينيه تتابع بشغف تفاصيل بلده التي اشتاق إليه ...اغمض عينيه بينما قلبه يتقافز داخل صدره ...سيراها اليوم ويتكلم معها ...طيلة هذا العام الذي قضاه بلندن رفضت بإصرار ان ترد علي رسائله  وهذا قذف في قلبه الرعب ...خاف الا تسامحه ابدا وتصر علي الطلاق ولكنه سيحاول مجددا ....هو اقسم انه سيحاول حتي موته ....
......
بعد ساعة تقريبا
كان قد وصل الي المنزل ...كان الوقت تجاوز العاشرة مساءا ...
-اخي وصل
قالتها جميلة بحماس وهي تبتعد عن النافذة ...ارتج قلب جلنار وجلست علي الفراش وهي تشعر بأطرافها ترتعش ...نظرت إليها جميلة بخبث وقالت:
-ألن تأتي وتستقبلي زوجك ؟!
شدت جلنار الغطاء وقالت:
-لا أنا سوف انام ...خطبتك غدا ويجب أن انام مبكرا ...
ضحكت جميلة عليها ثم خرجت ونزلت للاسفل لتجد والدتها تضم امير بقوة وهي تبكي ... انسابت الدموع من عيني امير وهو يقبل رأس والدته ويضمها إليه ...كم اشتاق إليها ....رغم ما حدث بينهما ستظل والدته هي الانثي الاولي والاهم في قلبه ...
-امير اخي ...
صاحت  جميلة بحماس ...ليبتعد أمير ويمسح دموعه ثم يفتح ذراعيه ويقول:
-اهلا بالعروس ...
ضحكت جميلة واندفعت إليه وهي تضمه إليها بشوق متبادل ...بعد لحظات الاستقبال الرائعة...بحثت عيناه السوداء عنها ...كان متلهف لرؤيتها...نظرت إليها جميلة بخبث وقالت:
-زوجتك العنيدة رفضت القدوم وادعت النوم ما رأيك أن تذهب إليها ؟!
ضحك أمير وقال:
-انتِ حقا ماكرة...
ثم صعد للأعلي ...
......
كانت جلنار تقف امام الباب... عقلها  وقلبها في صراع عنيف....قلبها يهفو لرؤيته ...لقد اشتاقت اليه كثيرا ....الشوق ينهش في قلبها بينما هو يصرخ ان ترحمه فأمير هو الرجل الوحيد الذي احبته فلتعطيه فرصة اخري ...ولكن العقل كان يتدلل ...اخبرها ان تأخذ وقتها ...هو من جرحها وهو من عليه ان يحاول حتي يستعيدها ...وفي خضم صراعها لم تنتبه للباب الذي فُتح فجأة ...تأوهت عندما صدمها الباب ليقف امير مذهولا وهو يراها امامه ....شعر ان قلبه يتضخم وهو يراها أمامه ...هل أصبحت اجمل ام ان قلبه المثير للشفقة يصورها له بتلك الطريقة...كانت عينيه مثبته عليها ...
-لقد اشتقت اليك!
خرجت كلماته صادقة تماما ... صادقة للدرجة انها مرت بروحها وشعرت بصدقه ...صرخت بفزع عندها ضمها إليه فجأة ...بين ذراعيه حتي شعرت بأضلاعها ستتحطم ...
ابعدها عنه وقبلها علي رأسها بقوة بينما دموعها تنساب معا...ابتعد وهو يمسح دموعها
-لقد مرت سنة جلنار
قالها امير وهو يتأمل ملامحها بشغف ...كم اشتاق اليها حبيبته الغالية ...سنة وهي لم تترك مخيلته لحظة واحدة ...كانت عينيها الرمادية دوما تلاحقه بإصرار ....تخبره أنه ما زال عاشق بيأس ينتظر الغفران ...الغفران الذي طلبه يوميا منها حتي سافر للندن في مؤتمر وقرر أن يبقي هناك لفترة ...كان يوميا يتصل بجميلة ويطمأن علي والدته وجلنار ...كم حاول أن يتواصل مع جلنار ...لقد كتب لها كل يوم ....بريدها الالكتروني امتلأ برسائله فقط ...ثلاثمائة وخمس وستين رسالة ...لقد قام بعدها ..لم تخلو رسالة منها من طلب المغفرة ...كان يائس للحصول علي مغفرتها ...يخاف أن يعود فتطالب بالطلاق مرة أخري ويخسرها للابد وهو ليس مستعد لهذا ....هو يعشقها كثيرا ...كل يوم كان يزداد عشقه لها وخوفه أن تنساه هي ...ولكن خطبة شقيقته المفاجئة جعلته يعود قسرا للوطن ويواجهها ربما لو طلب منها السماح الان ستعفو ...ربما تغفر وتعود إليه ثم تنير حياته ...ذلك الامل أحيا قلبه الذي اماته اليأس ...تنهد وهو يخرج من شروده متأملا إياها ...لم تتغير ابدا...ما زالت عينيها ساحرتان يشعر أنه يغرق بهما ولكن نظراتها كانت باردة لا حياة فيها وهذا ما اخافه...اخافه ان تصر علي رفضه بل وتطلب الطلاق وبالتأكيد والدته سوف تقف في صفها وهو من سيخسر....كانت جلنار تتأمله بدورها لقد فقد كثيرا من الوزن وأصبح شاحب ...عينيه الحادتين أصبح بهما كثيرا من اللطف ...كان ينظر إليها بحب ورجاء كما تمنته أن ينظر دوما. .. لقد أرادت هذا الحب منه ولكنه أعطاها إياه بعد أن حطم قلبها ... ابتعدت عنه ارتدت قناعها الجليدي وقالت :
-اجل مرت سنة وكانت اجمل سنة بحياتي لانك لم تكن هنا لتعكر علي صفو سعادتي ...
ابتلع ريقه بينما شعر بكلماتها تخترق روحه فتدميها...ابتسم بحزن وقال:
-لديك حق ...أنا قد أخطأت بحقك
-اخطأت
قالتها بسخرية ...ثم اقتربت منه وقالت وهي تشير لقلبها :
-انت حطمت هذا كليا سيد امير الشناوي ...قتلت محبتي لك ...وثقتي بنفسي ...مبارك لك لقد حققت انتقامك ولكن لا تتوقع مني الغفران ...
امسك وجهها وهو يقول بعنف عاطفي:
-انا من تحطمت حبيبتي ...تحطمت وانا اتوسل الغفران كل يوم دون جدوي ...ولكن اقسمت الا استسلم ...ستعودين الي جلنار ..لن تتحررِ مني الا  عندما أموت ...
لم يمهلها لتستوعب كلماته بل وضع قبلة رقيقة علي خدها وقال:
-عمت مساءا حلوتي...كوني مستعدة لانني لن اتركِ حتي تغفرِ  ..
ثم غادر وتركها

حكاوي سولييه الفصحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن