'' يظل المرء منا متخبّطًا في الدنيا يبحث عن ضالته، فتجد أقوام تنتصر، وأقوام تُهزم .. رجلٌ تدعسه الحياة، ورجلٌ يدعس الحياة، ورجلٌ يجهل معنى الحياة، ويقف في منتصف كل شئ.
هذه سفينة الدنيا، فإن جهلتَ هدفها تهلك، حتى لو ظننتَ أنك المنتصر "'' وقفَ سُليمان يتأمل هذه السفينة على شاطئ البحر، ودّ لو ركبَ بِها وترك كل ما ورائه هنا! على هذا الشاطئ، لقد ارتطم بأمواج الحياة وأعاصيرها كثيرًا ولم يعُد يحتمِل قسوتها، علّه يجد راحته على متن هذه السفينة.
جلس سُليمان على الشاطئ وأخذَ يفكر في ما تُخبّئه له الحياة من متاعب زائدة، من ألم وقهر، يعلمُ أن القادم سيكون صعب جدًا، وأنّ اتخاذ القرار حتمًا أصعب.
تنهد بحرارة ونظرَ للسماءِ برجاءٍ وضعف وندم، وقال:- يارب
'' وكأن هذه الكلمة كفيلة لتطييب آلامه، لتجعله ساكن، وخوفه يزول.
ظل شاردًا لفترة، حتى قطع تفكيره هذا الرجل الذي يجوب الشاطئ ذهابًا وإيابًا يعزف على آلته - الربابة - التي جار الزمان عليها ،يتغنى بها، تائهًا فيما يُغَنّيه ''- إوعاك تطمع يا بن آدم في الدنيا وتسيب السفينة تروح
نجا نوح
وهلك من ساب السفينة تروح
هلك وَلده ومراته
هلك من ساب طريق ربنا وفاته
إوعاك تغريك الدنيا الكدابة
إوعاك تسيب السفينة تروح
نجا نوح
وهلك من ساب السفينة تروح'' كان يتغنى بهذه الكلمات ويكررها مرارًا وتكرارًا حتى اختفى عن أنظار سُليمان، كان الناس يصفون صاحب الربابة بالجنون وادّعوا انه مجزوب، لا يترك الربابة ولا يكتفي عن الغناء .. لم يسمعه أحد يتحدث بطبيعية، فكل حديثه عبارة عن غناء، يختفي هذا الرجل فجأة ويظهر فجأة، لكن سُليمان يعلم هذا الرجل ويعلم حقيقته جيدًا، لم يظنه يومًا مجزوبًا، بل كان يراه ويصفه دائمًا بالعقل، كان يعتقد دائمًا أنّ صاحب الربابة يعلم مالا يعلمه أحد، ويغنّي ما يعلمه على الربابة، دائمًا يسمعه بتركيزٍ عالٍ، ودائمًا ما يحاول فك شفرات الكلمات التي يُغنيها، ودايمًا ما كان يقصده صاحب الربابة في غنائه، نظر سُليمان إلى السفينة أمامه وشرد بها وبكلمات راجح - صاحب الربابة - حتى قطع شروده يدٌ وُضعت على كتفِه، نظر خلفه فوجده أخاه الذي يُدعى فاروق يقول له:
- ايه يا سليمان قاعد لوحدك ليه وسايب مراتك لوحدها دلوقتي؟
'' اكتفى سُليمان بالنظر إليه، ثم عاد ببصره للسفينة من جديد .. جلس فاروق بجانبه وربتَ على كتفه، قائلًا:
- هتهون، كل حاجة هتهون لما تشوف ابنك .. وكل اللي في دماغك دا هيروح
'' ابتسم سليمان بسخرية، وقال:
= بتضحك على نفسك ولّا ايه يا فاروق
'' ثم نظر إليه وأردف قائلًا:
= هو إيه دا اللي هيروح؟
- كل اللي بتفكر فيه هيروح، وهترجع للتجارة من تاني عشان احنا مش هنعرف نعيش من غير ما نتجار فيها
= يا سيدي انا مش عايز، كفاية انا زهقت وتعبت وحياتي بتتدمر بسبب الحرام اللي بنعمله
- بس وطّي صوتك
أنت تقرأ
السـفينة
Misteri / Thrillerيَهلَك من ركبَ سفينة الدنيا ،ولا ينجو منها إلا ذو قلبٍ سليم تصميم الغلاف : Bella El-hwary