رواية لا تلتمس منى حباً
لا تلتمس منى حباً
الفصل الاولكل شيء فى الحياة كأس عمل قد رواه
والدنيا مزرعة أخيرة يزرع فيها الإنسان ليجني أحسن الثمار
فمن زرع خيرًا حصد خيرًا
وإن زرع شرًا حصد شرًاأستيقظت حنين على تلك اللمسات الحانية التي اعتادت الاستيقاظ عليها، وذلك الصوت الرقيق الذي يشبه نقاء قلبه الصغير يناديها، رفعت جفنيها لتلتقي عينيها بعينيه الرمادية التي تشبه عين أبيه، لتبتسم له وهي تقبل يده التي يضعها على وجنتها كي يوقظها، فكان هو عوضها عن الدنيا بعد أن حرمتها من أبيه الذي تركت كل شيء لأجله، لتزداد قسوة الزمن الغادر عليها ويخطفه الموت منها في حادث،
فتنقلب حياتها رأسًا على عقب وتجد نفسها وحيدة بطفل صغير لم يتعدى عمره العامان، لم تجد أحد يواسيها ويقف بجوارها سوى بعض الجيران الذين رأفوا بحالها، وذهب كبيرهم إلى عمها يخبره بموت زوجها، فما كان من عمها إلا أن يرفض وينكر صلته بها مدعيًا بأنه لا يعرف أحدًا بها الإسم طالبًا منه أخذ واجبه والخروج من المنزل.نظر الشيخ إلى ذلك المكان الذي يظهر عليه مدى ثراءهم، والحياة التي تعيشها بذلك الحي الشعبي وتلك الشقة المتهالكة التي تقطن بها، فينظر إلى عمها بإحتقار رافضًا واجب الضيافه الذى يقدمه له وأنه سوف يفعل ما بوسعه حتى يعوضها هى وابنها.
خرج الرجل من الباب ليتفاجئ بصوت يناديه فيلتفت إليه ليجدها امرأة فى الخمسين من عمرها تشير له بالتقدم منها، تردد كثيرًا قبل أن يذهب إليها لكنه وافقها عندما لاحظ بكاءها، فإقترب منها قائلًا وهو يشيح ببصره عنها:
_خير يا هانم؟
قالت المرأة والدموع تتساقط من عينيها:
_أنا مامت حنين، طمني عليها هي عاملة إيه دلوقت؟
لم يرق قلبه لبكائها كما لم يرق قلبها هي على ابنتها وتركتها وحيدة تصارع قسوة الحياة لأجل ماذا؟ لأجل حياة رغيده تنعم بها بعيدًا عن ابنتها التى تعيش مرار الفقر فيرد قائلًا:
_هتعمل إيه؟ واحدة جوزها مات وسابها وحيدة من غير أهل ولا سند تفتكري حالها هيكون إزاى؟
تساقطت العبرات أكثر من عينيها، فأخرجت بعض النقود من حقيبتها لتعطيها له قائلة:
_صدقني يا شيخ غصب عني زي ما أنت شايف كل حاجة هنا بإيده وهو هددنا أن حاولنا نشوفها أو نكلمها هيحرمنا من حقنا أرجوك يا شيخ متسيبهاش
واديها الفلوس دي؛ هي أكيد......
قاطعها الشيخ قائلًا بحزم:
_خلي فلوسك معاكي يا ست هانم بنتك مش محتاجة فلوسك، بنتك محتاجة حنانك، محتاجة لعيلتها تهون عليها فراق أعز الأحباب، عايزة سند لابنها اللي بقى يتيم واتحرم من أبوه، خلي فلوسك معاكي يمكن تحتاجوها وأنا ربنا يقدرني واعمل اللى أقدر عليه، بعد إذنك يا هانم.عاد الشيخ صالح إليها وهو خالِ الوفاض مندهش من تلك القسوة التي تملكت قلوب البشر، كيف يترك من هى دمه وحيدة تصارع الحياة بذلك الطفل الصغير؟ ماذا فعلت حتى تستحق منهم تلك المعاملة؟ هل يعد تمسكها وزواجها من ذلك الشاب الفقير جريمة تستحق عليها ذلك العقاب؟
هى لم تخطئ فى شىء
كل ما فى الأمر أنها أحبته وتمسكت بحبها له
وكان جديرًا بذلك الحب.