الفصل السادس عشر
.
- خرج الجد من مكتب أصلان فرحا لحفيده الهارب .. وصرخ على السيدة نعمة التى جاءت مهرولة لصراخ عمها :
- الجد بصراخ :
نعمة .. يا نعمة .
- السيدة نعمة مهرولة :
نعم يا عمى .. خير .
- أشار الجد على غرفة الجلوس ويقول لها فرحا :
تعالى .. تعالى .. مش هتصدقى اللى هقولهولك .
- اتجه الجد إلى غرفة الجلوس تتبعه نعمة وبعد أن أغلقت بابها شرع الجد فى قص ما دار بينه و بين أصلان وابتسامة تلك التى تقابله تتسع رويدا رويدا .- جلس الجميع الجد والسيدة نعمة ، محمد و أسماء بودة، أسامة و سوما و زهرة فى غرفة الجلوس الواسعة التى تحتوى ثلاث أطقم من اﻷثاث لتستوعب التجمعات العائلية .. فى انتظار زيارة إسراء وعابد ﻷول مرة منذ زواجهم وذلك لتودع إسراء عائلتها .. ساد فيها جو من اﻷلفة وتبادل اﻷحاديث الطريفة فى الظاهر يتخللها فرحة و ترقب من الجد والسيدة نعمة و قلق وحزن من زهرة .. فهى تعلم أنها ستغادر ليلا مع أبيها ومع ذلك لم تكمل حتى حزم حقائبها التى كلما وضعت بها شئ أخرجته مجددا .. وقد زاد شعورها بالوحدة والانقباض كلما أقترب موعد حضور أخيها وزوجته كعلامة على رحيلها .. فهى ولأول مرة تكره رؤيته على الرغم من أنها تعاملت معه بشكل عادى بعد الزواج .. استفاقت من أفكارها على سؤال أسامة المرح لها :
طبعا أنتى مشفتيش إسراء قبل كده ؟ردت زهرة ببسمة باهتة تحت أنظار الجد والسيدة نعمة اللذان يعلمان ما بها: ﻷ
فقال أسامة مشاكسا لها :
طبعا .. هى طارت من هنا و أنتى جيتى من هنا .
فضحك الشباب على كلام أسامة ... وانطلقت أسماء قائلة :
هى غلبوية .. بس هتحبيها .. طاب وأخوكى؟
ردت زهرة مستغربة سؤالها : ماله ؟
فقالت أسماء : عامل إزاى ؟
فرد محمد غاضبا : نعم ياختى.
وعلق أسامة : آه .. وقعوا ف بعض .
فضحك الكل عليهم .. ثم أكملت أسماء : أنا قصدى طبعه ..
ردت زهرة محاولة التماسك قدر اﻹمكان :
هو كويس وبيحبها .. متخفيش عليها ..عمره ما هيزعلها .
أكملت زهرة آخر كلماتها بحزن و تهدج بسيط لم يلاحظه سوى الجد والسيدة نعمة .. و قد زادت محبتهم لها لما رأوه من تأثرها من بعد أصلان عنها .. و تأكدهم بأنها المناسبة له .. وكذلك أصلان الذى دخل أثناء إجابتها منتظرا انتهائها بوجه صلب جامد لا يتضح على صفحته شيئا .. ولكن داخله يكمن لهيب يتآكله من حزنها الواضح الدال على تأثرها بمعاملته معها .. ويجعله يتعجب من القدر الذى يجعل من سبب وضعهما سعيدان بينما تتقطر التعاسة من وضعهما .. ويحاول بشدة محاربة نفسه بعدم أخذها من بينهم وحبسها بغرفته له وحده يبثها شغفه و عشقه بشكل يجعلها تنسى أخيها وأخته ..
تنسى جرحه لها .. تنسى تشوه جسده و كبر سنه .. تنسى .. تنسى ما حولهما ولا يتبقى سوى هى و هو فقط .. تنهد بحسرة متمالكا نفسه وألقى السلام بأقتضاب وجلس على مقربة من الجد و أمه واعيا أنها المرة اﻷولى التى يجمعه معها مكان من بعد مشكلتهما.. استمرت اﻷحاديث الجانبية ﻷفراد العائلة التى تجنبها هو مركزا نظراته على تلك التى لم ترفع عينيها له لتروي شوقه لها .. أشبع عينيه منها فهو لا يعلم متى يجتمع معها ثانية .. تلك القطة التى لم تعد تتبعه بل أصبحت تختبئ منه حارمة إياه منها بشكل يسلب عقله و يفقده بصيرته و صبره .. الذى نفذ بالفعل برؤية محمد وأسامة يتحدثان معها بأريحية فى حين هو محروم من ذلك مما جعله يفقد صوابه و يصرخ فجأة على المسكينة فاطمة مركزا نظراته على زهرة
- أصلان بصراخ : فاطمة .. فاطمة .
- فاطمة بخوف : نعم يا سى أصلان .
- أصلان بصراخ : شوفى أبو أحمد خلص اللى قلتله عليه ولا لأ ؟
- فاطمة : ﻷ خلصوا يا سى أصلان من يجى شوية كده .
- أصلان : طاب روحى أنتى .
- فاطمة متلعثمة: حاضر .. حاضر يا بيه .
- الجد : إيه هو ده يا بنى .
- أصلان بأقتضاب : دى زيارة حملتها على عربيات هتروح مع إسراء
و جوزها لبيتهم الجديد .
- السيدة نعمة التى فرحت من تلك المبادرة من ابنها كأشارة على قرب رجوع علاقته بأخته :
خير ما عملت .. ربنا يخليك ليها يا بنى .. كنت عارفة إنها مش هتكون
عليك .
- فرد أصلان بحدة وجفاء :
دى مش ليها .. دى عشان شكلنا أدام الناس .. إنما أنا لو عليا ..........
وصمت .............. بعد أن قابلته عينان زرقاوان متسعتان تمتلئتان عتاب و حزن منه .. عتاب ذكره بآخر اصطحبه قبلات و همس و إعتذار .. أثر على
انتظام أنفاسه وحدة عينيه فبدل نظرته الغاضبة ﻷخرى خاصة بهما .. فبادلها عتابها بعتاب آخر لحرمانه منها أثرت على انتظام أنفاسها وجعلتها تخفض زرقاواتيها .. تنحنح الجد منهيا جو التوتر الذى شاع لكلمات أصلان قائلا :
أصلان مش عاوزين مشاكل .
- رد أصلان بجفاء : أكيد .
- ثم بادرت نعمة فى محاولة منها لتغيير اتجاه الحديث :
هتوديلها إيه ؟
- أجاب أصلان بكلمات لم تسمع منها صاحبة العينان الزرقاوان شئ .. وكل ما يشغل فكرها أنه يكره أخيها وبالتالى يكرهها .. وقد تهدمت لديها أى آمال ولو ضعيفة بقبوله بها .. ترثى نفسها وتتسآل أى عاطفة تلك التى تتملكها تجاهه وتجعلها راضية بجفاءه قبل وده و كرهه قبل حبه .. بل تجعلها تتمسك به وبحياتها معه حتى آخر لحظة جاعلة إياها حتى اﻵن ليس لديها القدرة على الانتهاء من حزم حقائبها والهرب منه .. فهى تكاد تجزم لو أنها لم تحدث أبيها ليأتي إليها لتجبر نفسها على الرحيل معه لم تكن لترحل عنه و لو انطبقت السماء كما يقولون .. لا ترى ذلك الذى أنهى حديثه و صمت يتابعها بعينيه التى تفيض عشقا .. صافعا نفسه على حديثه بهذا الشكل عن أخته و أخيها .. فهو من شدة غضبه من رقتها التى تجعل من إخوته يلتفون حولها لا يتركوها شكلت لديه حريق صغير يلتهم داخله يجعله يفقد صوابه و منطقه فلا يعلم ما يقول سوى أنه يرغب بجذب انتباهها عنهم وابعادهم من حولها .. فهى ملكه وحده حتى ولو كانا متباعدان .. لا يتشكل فى عقله وقلبه منذ أن رآها سوى فكرة واحدة
" هو من يغضبها و هو من يصالحها "