الفصل الثامن 💓

1.7K 73 31
                                    

باقي فصلين بإذن الله و توته توته وتخلص الحدوته 😚

*قبل أيام....*
خرج شادي من سيارته المصفوفة مقابل البناية التي يسكنها ياسر و ضحى عندما لمح الفتاة المطلوبة تخرج منها، ليقول لأحد رجاله المرافقين له:
_ هاتلي البت دي بسرعة.. سعيد هاتها من غير ما تعمل شوشره.
وعبر الرجل الضخم المتخفي في ملابس مدنية الطريق وهتف بصوت غليظ:
_ انتي يابت استني عندك.
تسمرت الفتاة في مكانها وهي جاحظة العينان مرتعبة الملامح من الرجل الذي تعرفت عليه من هيئته على الفور انه 'مخبر من الحكومة'
_ في إيه، أنا ماعملتش حاجة؟
_ بس يابت تعالي معايا الباشا عايزك.
وبسيقان هشة كأعواد المكرونة ترتجف عبرت الفتاة مع سعيد المخبر حيث الباشا الكبير، لتقف أمام شادي الذي بحلق فيها من خلف عدسات نظارته الشمسية فقالت بتلعثم:
_ أنا ماعملتش حاجه ياباشا والنعمة.
صعد شادي في سيارته قائلا:
_ اركبي، ماتخافيش.
وفي مكان يبتعد عن العمرنيات توقف شادي بسيارته وقال دون ينظر للفتاة التي تجلس في الخلف بجانب سعيد المخبر ترتجف:
_ انزلي يا زينات ولا أقولك يا زيزي أحسن، خليك انت في العربية ياسعيد.
عندما ترجلت الفتاة من السيارة هرولت نحو شادي الذي استند على السيارة يدخن وانحنت تقبل كفه الحر وهي تغمغم خائفة:
_ والنعمة الشريفة توبت يا باشا، ده أنا بقيت بصلي وبشتغل في الحلال، وبعدت عن طريق الحرا*م ده من زمان.
هتف شادي وهو يحك ذقنه:
_ يعني خلاص مافيش صنارة هنا ولا هنا.
رفعت كفيها مستسلمة مؤكدة:
_ ولا حتى دبوس يا باشا.
وقبلت كفها وجه وظهر تؤكد توبتها:
_ الحمدلله بعدت عن الطريق ده من ساعة آخر مرة و حلفت مش هرجعله تاني.
قال شادي وهو يرمي عقب السيجارة ويدعس فوقه:
_ جدعة، جدعة يا زينات أنا كنت عارف.
ابتسمت الفتاة بارتياح ثم فركت شعرها قائله بحيرة:
_ طيب لامؤاخذه يا باشا لما حضرتك عارف، قبضت عليا ليه؟
قال شادي وهو يتخاصر:
_ عشان محتاجك في شغلانه معايا.
_ شغلانة !!...
همست وهي تفرك شعرها تلك المرة بطريقة أقوى دلالة على التفكير ثم تعمقت ابتسامتها قائله:
_ شغلانة إيه يا باشا؟
وغمزت هامسة:
_ حوت ولا صنارة ولا يكونش حاجه على خفيف كده دبوس.
'وكانت تقصد بتلك المسميات المشفرة طرق جذب و اصطياد الزبائن'
أطلق شادي شاخرة قوية غاضبة وهو يصرخ في وجهها المنشرح كأنه يطلبها في مهمة قوية:
_ جرى إيه ياروح أمك، ما تتعدلي يابت، مش لسه من دقيقة كنتي عامله فيها الشيخة.
رفعت كفها بــ تحية عسكرية وصمتت في إحترام حتى عاد شادي يقول:
_ إيه أخبار أصحاب البيت اللي بتشتغلي فيه؟ معاكي ناس
مبحبحين كده ولا مضيقنها عليكي.
نفخت الفتاة بضيق قائله بملامح حانقة:
_ البيه زي الفل الصراحة، بس مراته دايمًا متعصبة و شايلة طاجن سيدها فوق رأسها والصراحة كده شكلها ما شبع اللي من بعد جوعه.
_ يعني إيه يا زينات؟
_ يعني يابيه لامؤاخذه كانت كحت، قبل ما ربنا يديها من وسع، عشان كده ميتة ع القرش، بس البيه جوزها راجل فلة ولسانه بينقط سكر.
و أكملت الفتاة بهمس كأنها تلقي سراً خطيراً:
_ بس زي مايكون مغلوب على أمره دايمًا ساكت كده كأنها ماسكة عليه ذلة.
ضيق شادي عينيه يسألها:
_ ذلة إيه؟
قالت كأنها مبرمجة:
_ خايف منها تقول لمراته الأولى حاجة، أصله متجوزها في السر.
وعادت تسأل الفتاة وكأنها استشعرت الخطر أخيراً:
_ هو حضرتك بتسأل عنهم ليه يابيه؟ هو في حاجه؟
أومأ شادي رأسه:
_ أيوه في، في حاجه مهمة أوي يا زينات مطلوبة منك، لو عملتيها ونجحتي فيها هنعمل معاكي أحلى واجب.
وانحنى عليها يهمس:
_ هنشلك السبقة الأولى ومش هيبقى ليكي ملف في الأداب.
خبطت فوق صدرها ضاحكة:
_ والنبي صحيح يا باشا، إلهي يعمر بيتك ويعمر بيتك ياحكومة.
طقطق شادي من بين شفتيه قائلا:
_ بس ده يتوقف على شطارتك وإن ماحديش ياخد باله من المطلوب منك خصوصاً الدكتورة ضحى.
_ دكتورة ضحي، اااه يبقى كده الموضوع في إن! أنا كنت
عارفه إن الولية دي وراها ح....
_ ابلعي ريقك شوية يا روح أمك، انتي قعده معايا على مصطبة بيتكم، اسمعيني كويس أوي، ركزي.
مد شادي يده في جيب سرواله وأخرج شنطة بلاستيكية صغيرة بداخلها زرين صغيرين مغناطيسين وقال وهو يضعهم في كفها:
_ دول ميكروفونات صغيرة زي مانتي شايفة كده.. زي زرار القميص هما مغناطيس تقدري تخطيهم في أي حتة.. عايزك بقى زي الشاطرة تحطي واحد في أوضة النوم و واحد في....
قاطعته الفتاة بحاجب مرفوع:
_ في الصالة اللي فيها التلفزيون أكتر مكان بتكون فيه الست وبتكلم فيه.
نفخ شادي قائلا:
_ طيب ياختي متشكرين على الاستخبا*رات المهمة..المهم ماحديش ياخد باله منهم.. تحطيهم مثلا في فازة ولا أباجورة ولا ترابيزة.
أشارت نحو عينيها:
_ عيوني للحكومة وليك يا باشا البشوات.. اطمن وحط جوه بطنك بطيخة صيفي، هحطهم في مكان ولا حتى الجن الأزرق يعرفه، بس الموضوع ده يابيه مافهوش حاجة خطر عليا؟
_ لا مافهوش بالعكس دي مصلحة ليكي ولا نسيتي السابقة.
_ يبقى تمام يا باشا، هعمل اللي قولتلي عليه بالحرف الواحد.
_ جدعة يا زينات اركبي العربية بقا جنب سعيد.
أخرج شادي هاتفه وقام بالإتصال على صديقه عابد الذي كان ينتظره ليقول له وهو يبتسم بوجه بشوش:
_ كله تمام باعابد باشا، البت معانا.
**************
بعد أيام
في إحدى الأماكن العامة...
قال السيد عصام رئيس عابد السابق في إدارة المباحث الجنائية:
_ الخطة كانت هايلة منك ومن شادي طبعًا، بس كل اللي سمعته مافهوش أي حاجه تثبت ان حسام متورط مع الاتنين دول.
أومأ عابد برأسه قائلا:
_ أنا واثق يافندم ان حسام متورط معاهم بشكل كبير..وبعدين دي تسجيلات أولية، ده غير اننا بالتسجيلات دي هنقدر نحبط عملية كبيرة وهو دخول مجموعة من البنات القاصرات للبلد.
ضم عابد شفتيه بتفكير قائلا:
_ بس ياترى البنات دول هيدخلوا البلد ليه بالضبط و عشان إيه ده اللي لازم أعرفه قريب، الاتنين دول يافندم وراهم حد كبير غير حسام، العقل المدبر.
هتف السيد عصام بحاجبين معقودين وهو يرتشف من فنجان قهوته:
_ عابد إنت عارف كويس إن العملية دي كلها بتحصل على مسؤوليتي الخاصة، وإنك أساساً ماينفعش تكون فيها لأنك في جهاز تأمين الممتلكات العامة، لكن شكي المؤكد في العقيد حسام وكل الشُب*هات اللي بدأت تدور حوالين منه خلوني أوافق على العملية دي معاك لأني كمان واثق فيك وعارف إن حسام نقلك من الإدارة
متعمد.
أطبق كفيه قائلا بقوة:
_ عايز الموضوع ده يتم في سرية تامة جدًا، وعايز فيه
نتايج سريعة أولها تعرفلي إنت وشادي البنات دول كلهم داخلين البلد ليه بالضبط؟
أخذ عابد نفساً عميق ضاغطًا بين عينيه وقال بنبرة من القلق:
_ البنات أغلبهم يا إما من شرق آسيا أو دول أوربا الشرقية معنى كده إنهم داخلين البلد في شغلتين.
أجابه السيد عصام:
_ يا عشان يشتغلوا في القطاع الفندقي أو شركات توظيف عمالة التنظيف والخدم.
ليكمل عابد وهو يرفع حاجبه:
_ لكن طبعًا ده المسمى الوظيفي اللي هيقدروا به يستخرجوا الأوراق المطلوبة من وزارة  العمالة و الهجرة ،لكن أنا واثق ان كل البنات دول يافندم داخلين لمهمة تانية خالص.
هز السيد عصام رأسه بتفكير قائلا:
_ د*عارة...
أطبق عابد شفتيه بشدة قبل أن يقول من بينهما بصوت حازم لا جدال فيه وكان هو التخمين الأقرب:
_ أو الاتجار بالبشر، بيع الأعض*اء.. يافندم قضيتنا الأساسية المتورط فيها حسام أكيد.
**********
ابتسمت ناديا واطمئن قلبها وتوردت وجنتيها وهتفت فرحًا:
_ الحمدلله يارب، يعني هو كويس دلوقتي ياميوش؟
أجابتها شقيقتها وهي تضع الطعام في فم رؤى وتداعب وجنتها الوردية الطرية:
_ الحمدلله والله و شاهين راح يجيبه من المستشفى هو وعمي.
ضغطت فوق قلبها الذي ينبض بإسمه وهي تمشي في الحديقة، بل أنها كادت تطير محلقة بثوبها الوردي وسط الأزهار:
_ مَي أنا نفسي أشوفه، إن شاء لله مرة واحدة بس.. أشوفه.
همهمت مَي بصوت خافت معترضة بلين:
_ وبعدين معاكي يا نادو؟ مش اتفقنا نعقل شوية.
ضمت شفتيها كالأطفال تهمس:
_ طيب أنا عايزه أجيلك أشوفك وأشوف رؤى ولا ده بردك اتفقنا عليه؟!
ابتسمت مَي بحزن قائله:
_ انتي تيجي في أي وقت حبيبتي، بس توعديني إنك...
_ أوعدك بإيه يا مَي؟
هزت مَي رأسها وهي ترفع عينيها نحو السماء:
_ أنا عارفه إنك مش هتنفذي حاجة من اللي هقولك عليها.. علشان انتي عنيدة و راسك ناشفة، ناديا لو ماما عرفت إنك جاية عندي مش هتسكت.. وده هيكون فيه خطر على موسى.
هتفت بخفوت من بين أسنانها:
_ أنا مش طايقة حسام، مش بحبه افهميني يامَي.
قالت مَي باعتراض:
_ بس انتي وافقتي ع الخطوبة بكامل ارادتك، ناديا ماحديش غصب عليكي.
همست بغضب مكبوت:
_ انتي عارفه أنا وافقت على حسام ليه، افتكرت إني لما أتخطب له ممكن أقدر أنسى موسى، وأشيله من قلبي، بس لاقيت نفسي بتعلق بيه وبحبه أكتر.
جلست فوق المقعد الرخامي مهزومة و همهمت بنبرة خافتة حزينة جعلت وجهها يعود للشحوب من جديد:
_ أنا بحبه يامَي، بحبه جدًا، و واثقة إنكِ مفكرة إن دي نزوة بمر بيها في حياتي أو مجرد تعلق سخيف بشخص ماعرفش عنه حاجة...
قاطعتها أختها هامسة:
_ لا يا ناديا مش نزوة أنا متأكدة إنك بتحبي موسى من قلبك و حاسه بيكي ياروحي، بس خايفة عليكي جدًا.
سألتها ناديا بصوت مختنق بغصة بكاء:
_ خايفة عليا من إيه؟
وضعت مَي يديها على عنقها وهي تسترجع كلمات شاهين بتحذير:
_ مَي اوعي تقولي أي حاجة لناديا من اللي قولتلك عليه، إحنا مش عايزين نعرض موسى لأي خطر لحد ما نشوف هنعمل إيه حبيبتي.. و ناديا لو عرفت أي حاجة عن ظروف موسى دلوقتي.. ممكن تتهور في مشاعرها ناحيته من غير ماتفكر.
أفاقت من شرودها على صوت ناديا وهي تناديها:
_ مَي ردي عليا.
همست وهي تبتلع ريقها:
_ خايفة عليكي من أي صدمة، زي ما قولتلك قبل كده مش ممكن موسى يكون متجوز وعنده أسرة وبيت و زوجة و أولاد.
هتفت ناديا بقلق وهي تمسح دموعها:
_ هي الذاكرة رجعتله تاني؟
نفت مَي بسرعة و كأنها تخشى أن تكشفها أختها:
_ لاه، لا مارجعتش، بس الدكتور قال إنه ممكن ترجعله أي وقت نتيجة الضربة اللي اتعرضت ليها رأسه.
شهقت ناديا بإرتياح فهي تخشى أن تكون قد عادت اليه ذاكرته وكلام شقيقتها ينقلب الى حقيقية تؤلم قلبها و تكسره، تعلم جيدًا أنها أنانية أن تتمنى عدم عودة ذاكرته، و لكنها تخاف أن يكون متزوج بأخرى ويعود لها وينساها للأبد...
_ خلاص مش هاجي ولا أعمل أي حاجة تعرضه للخطر من ناحية ماما و حسام، بس ع الأقل ابقي طمنيني انتي عليه.
هتفت مَي بتأكيد:
_ حاضر هطمنك عليه، بإذن الله أول مايجي و يرتاح هبقى أزوره مع شاهين و أول ما أرجع هطمنك عليه.
_ بجد يامَي هطمنيني عليه.
_ أنا عمري كذبت عليكي حبيبتي.
هتفت ملهوفة:
_ طيب هتروحي امتى تزوريه؟
تنهدت مَي بوجع على قلب شقيقتها الملهوف:
_ بعد يوم ولا اتنين بس يرتاح.
زفرت نفسًا طويل مشتاق:
_ يوم ولا اتنين لسه هستنى كل ده.
هست مَي بكمد تسألها وقد صعبت عليها الأمر:
_ قوليلي يا ناديا، نفرض إنك عرفتي مثلا أن موسى قبل ما يفقد ذاكرته كان مثلا كان عامل حاجه غلط ت.....
انتفضت ناديا وهي تسألها بشك تسلل الى قلبها:
_ تقصدي إيه؟ انتي عرفتي حاجه عن موسى؟
شهقت مَي بصوت خافت وهي تضع يدها فوق فمها وقالت سريعاً بصوت مرتبك:
_ ناديا اهدي.. أنا بقول مثلًا وبعدين أنا هعرف منين، ده سؤال جه على بالي.
وقالت وهي تحاول أن تصرف فكرها عن ما تفوهت به:
_ قوليلي عامله إيه مع حسام؟
لا فائدة من تمويهات شقيقتها المكشوفة لقد تسلل القلق نحو قلبها و استوطن فيه:
_ حاسة انك تعرفي حاجة و مخبيها عني؟
_ يووو يا ناديا ماكنش سؤال ده اللي سألته! أنا قولت أعرف بس لو لقدر الله موسى كده هتفضلي متمسكة به:
هتفت بهمس شارد:
_ طبعًا هفضل متمسكة به وهفضل أحبه مهما كانت ظروفه، بس أنا قلبي مش مطمن.
صمتت مَي قليلا ثم قالت بمرح و كأنها تحاول أن تطرد أوهامًا طافت برأسها:
_ ماكنتش أعرف إنك رومانسية كده، فعلا الحب بيغير.
وسكتت ناديا قليلا، ثم عادت عيناها تغيم بالدموع و قالت وفي صوتها رعشة خفيفة:
_ مَي أنا مش عايزة أكمل مع حسام، مش بحبه ولا بطيق أسمع صوته، بحس و أنا معاه إني مخنوقة جدًا و عايزه أعيط، وجوده حوالين مني بيسبب لي خنقة وقبضة في القلب غريبة.
و تنهدت بحنق وصاحت قائلة:
_ حتى مامي اللي كانت مصممة عليه، دلوقتي بقت تعمل حاجات غريبة كده مش فاهمة تقصد بيها إيه؟ بحسها بتتعمد إننا مانخرجش مع بعض أو نقعد نتكلم مع بعض.
لوت مَي شفتيها وقالت بسخرية:
_ لا اطمني هي عايزاكم تبقوا زي السمن ع العسل ولا نسيتي قد ايه كانت مصممة انكم ترتبطوا ببعض.
اقتربت الخادمة من ناديا وقالت وهي تبتسم في وجهها الرقيق:
_ آنسة ناديا، حسام بيه هنا وعايز يشوفك.
قلبت ناديا شفتيها امتعاضًا وقالت وهي تهز رأسها:
_ قوليلوا جاية..
قالت مَي بهدوء توصيها:
_ ناديا، اوعي تعملي أي حاجة مجنونة ولا حتى تفكري مجرد تفكير انك تقولي لحسام مش عايزاك أو نسيب بعض، وقتها ماما و حسام مش هيسكتوا.
همهمت بنبرة خافتة:
_ ماتقلقيش يامَي، أنا مش هاخد أي قرار دلوقتي ولا هاخد أي خطوة غير لما أطمن على موسى.
وأغلقت الهاتف، وابتسمت ناديا ابتسامة مهزوزة لم تستقر على شفتيها، وهي تلمح حسام من بعيد وهو يقترب منها ويحمل بيده باقة من الورد الزهري:
_ هاي نادو، أخبارك ايه حبيبتي؟
ومال عليها يُقبل خدها الناعم وقال وهو يقدم لها باقة الورد:
_ الورد ده لأحلى وردة.
تناولت الباقة من بين يده قائلة بنبرة جافة:
_ مرسييه..
_ مرسييه!! هو ده اللي قدرتي عليه، ناديا وحشتيني جدًا حبيبتي.
قال وهو يقترب منها أكثر و ذراعه يمتد حول خصرها الرقيق ليضمها الى جسده الصلب حتى كاد أن يهرسها وهمس أمام شفتيها:
_ لحد امتى هتفضلي تتعاملي معايا بشكل ده؟
تصلب جسدها بشدة حينما شعرت بذراعه يحاوطها و يتشدد حول خصرها بقوة و ظلت تنظر الى قدميها من تحت أهدابها ورأسها المنكس.. حتى قال:
_ أنا عايز نبقى لوحدنا ايه رأيك لو تيجي تشوفي البيت اللي هنعيش فيه؟
رفعت رأسها تنظر إليه وقالت وهي تحاول أن تسيطر على أوتار صوتها حتى لا تصرخ:
_ حسام بلاش كلام فارغ، يعني ايه اللي بتقوله ده؟
فجأة تلاشت الإبتسامة الرقيقة من فوق شفتيه وحلت مكانها أخرى قاسية و غاضبة تحمل الكثير من الخطر ليقول وهو يغرس أصابعه في لحم خصرها لتشهق من الألم:
_ عايز أبقى معاكي لوحدنا، إيه بتكلم هندي، ناديا أنا ملاحظ انك بتهربي مني.
هتفت وهي تحاول الفكاك من قبضة ذراعه الملتف حولها:
_ مش بهرب، أنا قدام منك أهو.
_ كنتي بتكلمي مع مين و أنا داخل.
_ حسام أنا مش متهمة عندك واقف تحقق معاها ولو سمحت نزل ايدك وابعد عني.
لوى شفتيه بابتسامة شريرة وهو يقبض على ذقنها ويرفع شفتيها مقابل شفتيه:
_ انتي ملكي ناديا ملكي واللي يفكر ياخدك مني أو حتى يقرب منك هقت*له قدام عنيكي الحلوين.
لاح بعينيها شيء كأنه الفزع و انقبض قلبها وهي تتخيل موسى أمام عينيها غارقًا في دمائه، واستمر حسام يسألها بصوت خاوي من الرحمة:
_ كنتي بتكلمي مين؟
قالت بخوف:
_ ميَ كنت بتكلم مع ميَ.
_ متأكدة؟
حدقت في وجهه القاسي، وهتفت بقوة رغم خوفها:
_ التليفون قدامك اتأكد بنفسك.
نطق بصوت خافت وهو ينظر في عينيها الخائفتين:
_ عارف إنك مش بتكدبي عليا، بس عارفة لو عرفت إنك بتكدبي عليا هعمل إيه؟
غمغمت وهي تحدق في وجهه:
_ أنا مش بكذب، ومش عايزة أعرف هتعمل إيه لأني تقريبًا عرفت.
قال بلهجة آمرة:
_ ناديا بُصي لي، ناديا بقولك بُصي لي.
نظرت اليه في جمود وهي تزم شفتيها حتى لا تبكي..فقال وضحكة صغيرة تخرج من بين كلماته:
_ في حد تاني موجود هنا؟
وغرس اصبعه في صدرها بقوة.. ليرتج قلبها بين ضلوعها من الخوف و هزت رأسها نافية من دون كلام:
_ قولي بصوت عالي ان مافيش حد تاني غيري في قلبك.
_ مافيش...
_ ليه حاسس انك بتكدبي؟
_ قولتلك مافيش حد ولا تاني ولا أولاني وبطل تهددني لو سمحت، وابعد عني.
و أزاحته عنها بقوة وهي تقول في رقة مفتعلة:
_ لو كان فيه ماكنتش وافقت عليك من الأول.
قال وهو يقف خلفها يضع فمه فوق عنقها:
_ كده أحسن لك و أحسن له، ناديا صدقيني أنا لو عرفت مجرد معرفة إن في واحد غيري شاغل بالك مش هرحمه ولا هرحمك هخليه يندم على اليوم اللي اتولد فيه...
_ حسام انت هنا.
استوقفه صوت ماجي الصلب الذي هتف من خلفهما بقوة.. بينما تنفست ناديا الصعداء وهو يتركها تفلت من قيد يديه، لتهرول سريعاً نحو أمها التي أنقذتها من سطوته  تهتف براحة وهي ترتجف:
_ مامي كنتي فين؟
ربتت ماجي فوق خدها بضحكة رقيقة وهي تنظر الى حسام الذي تبلدت ملامحه وضاقت:
_ كنت في العيادة، اطلعي أوضتك نادو ارتاحي شوية لحد ما العشا يجهز.
ورمقت باقة الورد بطرف عينيها، لتهتف قائله بضحكة باهتة:
_ نادو خدي الورد الجميل ده معاكي، علشان مايدبلش..ده هدية حسام.
هزت ناديا رأسها و التقطت باقة الورد ثم ركضت الى الداخل لتصعد الى غرفتها وكل خلية في جسدها كانت ترتجف من الخوف.
غلى الدم في عروقها، أحست انها متطفلة ثقيلة جاءت في الوقت الغير مناسب، لتقول وهي تحدق في وجهه الشاحب:
_ حلو الورد، بس التهديد مش حلو.
قال وهو يتخاصر:
_ تهديد إيه؟
ضغطت على أعصابها بقسوة وهي تردد:
_ اللي كنت بتهدد به ناديا قبل ما أدخل عليكم، حسام أنا سمعت كل حاجه.
ناظرها بتشوش ليقول وهو يدلك جبهته التي تفصد فوقها العرق:
_ كان لازم أعمل كده عشان كل حاجه بنخطط ليها تمشي زي ماحنا عايزين.
قوست ماجي حاجبيها الرفيعان وهي تكتف ذراعيها أمام صدرها قائلة:
_ ولا زي مانت عايز؟ حسام أنا مش غبية ولا مغفلة ..ولا ناديا العيلة الصغيرة اللي تقدر تضحك عليها أنا ماجي شبراوي اللي عملتك وتقدر تعمل ألف زيك، بلاش يا حسام تلعب لعبة انت مش قدها.
شقت ابتسامة فاترة ثغر حسام قائلا بهدوء مفتعل:
_ أسمي ده تهديد؟
_ سميه زي مانت عايز، الله.. ولا انت بس اللي بتعرف تهدد ياحبيبي.
و اقتربت منه وبشموخ و قامة مفرودة قالت بدماثة:
_ اوعى تنسى إنك ليا أنا وحدي، ولا نسيت يا حسام ومحتاج أفكرك؟
_ ماجي اعقلي أنا بعمل كل ده عشانا احنا الاتنين ولا نسيتي الإتفاق والغيرة من بنتك عمت قلبك.
هزت رأسها قائلة بغل:
_ انت اللي يظهر نسيت والحب ملأ قلبك من ناحية ناديا، واللعبة قلبت معاك بجد.
اندلعت النيران الزرقاء في حدقتيها وهي تقترب منه قائلا بصوت قاسي مستخدمة كلماته:
_ أحسن لك انت يا حسام تشيل موضوع ناديا ده من دماغك نهائى لحد ما العملية الأخيرة دي تتم وبعد كده هنسافر أنا وانت زي ماتفقنا.
_ ماجي قولتلك قبل كده انا مابحبش حد يهددني.
_ وأنا قولتلك قبل كده أنا مابحبش حد يستغفلني و يلعب من ورايا.
_ انتي اللي كنتي مصممة أتجوز ناديا عشان كلام الناس.
_ و أنا خلاص رجعت في كلامي، لاقيت جوازك من ناديا مافهوش أي مصلحة ولا أي حاجة جديدة يبقى خلاص تفسخ الخطوبة.
ارتفع طرف شفته بشبه ابتسامة ساخرة مكررا بصلف:
_ أفسخ إيه؟
ضمت شفتيها مبتسمة:
_ تفسخ خطوبتك على ناديا.
و قبل أن يفهم ما تعنيه كانت ترفع يدها بحركة عنيفة كل الأوراق التي تخص الصفقة الجديدة أمام وجهه قائله:
_ تعالى ورايا ع المكتب عندنا شغل كتير لازم نخلصه عشان يبقى معانا الفلوس اللي تعيشنا أنا و إنت مع بعض ملوك ياحبيبي.
وتحركت ماجي من أمامه تمشي بقوة و تفاخر بينما ظل حسام في مكانه ينظر في أثرها وهو يردد من بين أسنانه:
_ ماشي يا ماجي لما نشوف في الأخر مين اللي هيقدرعلى مين أنا ولا انتي؟ أنا اللي هخلص منك قريب أوي بعد ماتبقى كل حاجه ليا أنا وحدي، ناديا و الفلوس.
**********
يا له من إنسان محظوظ، حينما أكرمه الله عز وجل و حباه و أنعم عليه بهذه العائلة الكريمة الطيبة، عائلة الحاج مصطفى الذي اعتبره كإبنٍ له و فتح له قلبه قبل بيته...
عندما عاد من المشفى الى بيته الصغير الذي خصصه له الحاج مصطفى داخل منزله تفاجئ بإستقبال حافل و تراحب دافئ من أهل المنزل، بداية من السيدة الكبيرة زوجة الحاج مصطفى و المهندس شاهين حتى أصغر عاملة لديهم، شعر عند دخوله الى المنزل الذي عاد اليه بذاكرته الحقيقة أنه عاد وسط عائلته الحقيقية ..أهله الذين افتقدهم منذ سنوات...
لقد أعدت له السيدة الكبيرة الطعام الشهي و ملابس نظيفة وكل شيء يحتاج اليه و رحبت به كإبنها بكلمات طيبة و دعوات ظلت تكررها من قلب أم حنونة، بينما كان شاهين يقف بجواره كأخ لم تلده أمه يساعده و يمسك به و يشرف على راحته، أما الحاج مصطفى صانع تلك المودة لم يتركه وظل بجانبه حتى غفت عينيه وشعر بالارتياح...
وفي اليوم التالي فور خروجه من المشفى زاره الكثير من عمال المحجر و رجال البلدة، وقد كان على رأسهم العم خليل الذي جاء اليه حاملًا اليه الكثير من الطعام الذي صنعته زوجته السيدة العجوز، و فاكهة رغم ظروف معيشته البسيطة...
ليشعر أحمد بالامتنان لكل هؤلاء الأشخاص الطيبين البسطاء.. وفي الليل عندما عاد الحاج مصطفى برفقة ولده شاهين من صلاة العشاء ليطمئن عليه، جلس جانبه وهو يبتسم تلك الإبتسامة الطيبة التي تشعره بالراحة وقال وهو يربت فوق كتفه:
_ عامل إية يا موسى يابني طمني عنك؟
_ الحمد لله ياحاج بخير، والفضل كله لربنا وليك.
_ الفضل لله دائما وأبدا يابني، الحمد لله إنك قومت بالسلامه سالم و بأمر الله تعالى غانم.
ليقول شاهين وهو يسحب المقعد الخشبي ليجلس بجانب والده بابتسامة هادئة ورثها عن والده:
_ موسى أنا عارف إن سؤالي دلوقتي مش في وقته بس كنت عايز أعرف هتعمل ايه؟
نظر اليه أحمد قائلا بحيرة:
_ مش عارف يابشمهندس، مش عارف، بس كل همي دلوقتي اني أطمن على أمي و أختي، أعرف عاملين ايه؟ وأشوفهم بخير وبعد كده يحصل اللي يحصل.
رمق شاهين والده الذي كان يذكر الله و يسبح فوق حبات سبحته ثم هتف بقلق:
_ هتشوف أهلك ازاي و انت في ظروفك دي؟ افرض لا قدر الله ان أي حد عرف إنك لسه عايش من أهلك أو أصحابك أو جيرانك، ساعتها الدنيا كلها هتعرف وهتلاقي نفسك بين يوم وليلة في...
وابتلع شاهين باقي كلماته دون أن يفصح عنها لأحمد الذي أكملها هو بإبتسامة حزينة:
_ هلاقي نفسي في أوضة الإعدام.
ردد الحاج مصطفى بنبرة خائفة:
_ لا قدر الله يابني، ان شاء الله ربنا يظهر الحق ويزهق الباطل، لكن يابني شاهين عنده حق الناس نفوسهم بقت وحشة وماحديش عارف مين شايل في نفسه منك، لازم نفكر بالعقل.
هتف أحمد وهو يحاول أن يعتدل:
_ لا ياحاج مصطفى من هنا و رايح ماحديش فيكم له أي دعوة، أنا مش عايز أعرض حد منكم لأي مسؤولية قانونية، عايزكم تبعدوا خالص عن أي حاجه تخصني وأنا بإذن الله يومين بالكتير وهمشي من هنا ومن البلد كلها عشان أبعدكم عن أي مشاكل.
هتف الحاج مصطفى صائحًا باعتراض وكأن حماية أحمد أصبحت عاتقًا يحمله فوق أكتافه:
_ إيه الكلام اللي بتقوله ده ياموسى؟ تمشي من هنا تروح فين؟ انت نسيت ان هنا بيتك وأهلك، طول ما إحنا ماشين في طريق الحق مافيش مشاكل بإذن الله.
غمغم أحمد بقلق:
_ بس ياحاج أنا مش عايز أعرض أي حد منكم للخطر خصوصًا مع الحكو*مة ..إنت عارف لو وصل ليهم انكم كنتم متسترين عليا هيحصل إيه.
وافق شاهين والده قائلا برفض:
_ طول ماحنا آخدين بالنا وبنفكر بالعقل زي ما قال الحاج ماحديش هيقدر يعرف حاجه، وبعدين إنت لو مشيت من البلد و رجعت على القاهرة هتقدر تثبت أي حاجه لوحدك؟!! مش ممكن طبعًا.
قال أحمد غاضبًا:
_ بس أنا مش هفضل مستخبي هنا وسايب الناس اللي رمتني في المص*يبة دي عايشين براحتهم على الأقل أعرف هما مين؟ و عملوا فيا كده ليه.
أخذ نفسًا عميقًا وهو يغمض عينيه للحظة متسائلا في خفوت بغضب مكتوم:
_ علشان أعرف ليه الانسانة اللي اختارتها تكون مراتي و شريكة حياتي باعتني و شهدت ضدي.
رد الحاج مصطفى وهو يميل قليلا نحوه قائلا:
_ هنا بقا مربط الفرس، أكيد البت دي وراها سر كبير يإما تكون اتغصبت عشان تشهد ضدك أو تكون هي السبب في اللى حصلك والله أعلم، عشان كده يابني لازم تاخد بالك وتفكر بالعقل وماترميش روحك في التهلكة.
_ بس ياحاج أنا خايف عليكم.
أوقفه الحاج مصطفى بإشارة حازمة وهي يرفع كفه:
_ خلاص أنا قولت كلمتي، وبعدين هو في أب بيتخلى عن ابنه، وانا مش هتخلى عنك أبدًا، إنت ابني زيك زي شاهين و أخواتك البنات.
ابتسم أحمد وهو يميل نحو الحاج مصطفى ليقبل كتفه قائلا له:
_ يعلم الله ياحاج إني بعتبرك في مقام بابا الله يرحمه كفاية وقفتك جنبي.
اتسعت ابتسامة الحاج مصطفى بارتياح ثم أومأ برأسه وهو يقول:
_ طالما كده يبقى نتوكل على الله و نفكر بقا إزاي نخليك تطمن على الست الوالدة و أختك؟
ظل شاهين صامت يفكر حتى قال وهو يشرد قليلا:
_ بعد إذنك ياحاج أنا عندي فكرة، ايه رأيك لو أروح أنا بنفسي وأطمن على عِيلة موسى.
تنهد أحمد وهو يضغط أعلى أنفه مابين عينيه بإجهاد وصمت بحيرة.. ليقول والده وهو يهز رأسه باقتضاب:
_ هي فكرة كويسة.. بس يابنى دول حريم وغير كده أخت موسى متجوزة وليها راجل.. يعني مرواحك كده فجأة من غير صفة هتخلي الناس تسأل.
لم يستطيع أحمد من منع الهتاف المعترض الذي خرج منه:
_ لا يابشمهندس أنا مش عايز تحصلك مشكلة.
تنهد شاهين قائلا بعد برهة:
_ خلاص أنا عندي حل، هاخد معايا مَي، ممكن هي تتصرف و تقدر تقابل أختك و الست والدتك على أنها صاحبة أختك مثلا و جايه تزورها هتقدر تتكلم معاهم وساعتها ماحديش هيقدر يشك ولا يتكلم بالأخير دي ست.
ربت الحاج مصطفى فوق ظهر ابنه بفخر و حنو وهو يقول:
_ الله يفتح عليك يابني ياحبيبي، أم رؤى هتقدر تطمن عليهم و أنا شايف أنها كمان تقولهم و تطمنهم عليك طبعًا الموضوع هيكون صعب عليها و عليهم في الأول.. بس ان شاء الله ربنا ييسر الأمر، و أهم من ده كله إنها تأكد عليهم ماحديش يعرف أي حاجه.
أومأ شاهين برأسه قائلا:
_ ده أكيد ياحاج، و بعدين طبعًا هما هيكونوا عارفين خطورة الوضع.
_ بس الفرحة يابنى ممكن تخليهم مش آخدين بالهم وينسوا اللي حواليهم، قبل كل حاجة لازم مراتك تأكد عليهم.
أومأ شاهين برأسه موافقًا وهي ينظر الى أحمد الذي بهتت ملامحه بقلق وهو صامت، فقال بنبرة تحمل اليه الطمأنينة:
_ ماتقلقش يادكتور بإذن الله هنطمنك على الست الوالدة و أختك وهما كمان هيطمنوا عليك.
ردد الحاج مصطفى برفق:
_ يبقى توكلنا على الله، خد العنوان من الدكتور و روح إنت و أم رؤى في أقرب وقت.
_ بعد بكره ان شاء الله.
نظر موسى اليهما وابتسم بحزن وقال بتواضع:
_ موسى يا حاج، أنا مش هرجع دكتور أحمد غير لما أثبت براءة ذمتي من التهمة دي قدام ربنا و قدامكم.

بقلبي رحيق لقائنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن