نور يشوبه بعض الاحمرار ترسله الثريا الحمراء. كانت مسترخية على السرير تتأمل. منير في المطبخ يستعد للعشاء. خامرتها فكرة مقال جديد. نهضت وجلست أمام حاسوبها لتكتب. فجأة دفع منير باب الغرفة بقوة ودخل وعلى وجهه علامات حنق مكبوت ثم قال:
- أليس الأحرى بك أن تحضري لي شيئا آكله. لن يهرب الحاسوب ولا الأفكار، أما أنا فقد أفعل. بصراحة نجلاء سئمت العشاء بمفردي. ألا يكفي أنني أتغدى في مشرب الكلية أو في مطاعم " الفاست فود " المجاورة.لم لا تكوني مثل تاتا زبيدة. في فترة الخطوبة كنت أستمتع بطبخها اللذيذ. ظننت أنك مثلها طاهية ممتازة.كانت لا تفارق عمي كامل على مائدة الطعام.
مر على زواجهما سنة ونصف.لم يستطع منير أن يتأقلم مع استقلاليتها وحبها للحرية وخصوصا حاجتها للوحدة من حين إلى آخر. يريد أن يشتركا في كل شيء. تعتقد أن الحياة الزوجية تقاسم لبعض الأوقات وليس التهاما لوجود الطرف الآخر. يريدها أن تكون سيدة المجتمع المرموقة التي يستطيع أن يتباهى بها أمام الآخرين، وفي ذات الحين ربة البيت التقليدية المثالية إرضاء لنرجسيته الذكورية. لا تريد أن تكون هذه أو تلك، بل تطمح أن تكون هي نفسها لا مجرد ظل لها.
أجابته باتزان وكأنها تهدئ غضب طفل ثائر:
- عشاؤك جاهز تجده في مكانه المعتاد. ليس عليك سوى تسخينه كالعادة في الفرن. لدي مقال ينبغي أن أحرره. تعلم أنني نادرا ما أتعشى.. أقصد على الطريقة التقليدية.. في وقت معين وفي ديكور معين.. تعلم جيدا موقفي من البروتوكولات الجوفاء. تعلم أيضا أنني طاهية ممتازة عندما أريد وأجد الوقت للطبخ. ثم إن خالتي حليمة طاهية ممتازة. كنت دائم الإطراء على أطباقها. ما الذي تغير الآن؟
- سئمت طهي الخادمات. أطباقها تنقصها شخصيتك.. نفسك.. رائحة يديك. أريد أن تطبخي لي بيديك. الرجل يحب أن تعتني به زوجته. ثم إن هذا حق من حقوقي كزوج.
هل كان فعلا ينشد في الطعام شخصيتها. أم أنه كان ينوي أن يسلق تلك الشخصية في القدر الذي يحويه؟
لم تجبه. اكتفت بصمت بارد. حدجته بنظرة جليدية خاطفة وبدأت تكتب. غادر الغرفة وهو أكثر حنقا.
ما الذي أصابه منذ شهرين أو أكثر؟ هل تعرف على إحداهن وبات ينغص عليها حياتها حتى تضج وتضطر إلى الانفصال؟ أم هل سقطت الأقنعة لتسفر عن وجه الحقيقة؟
لم تخف عنه شيئا قبل الزواج. ما انفكت صديقتها أسماء تلومها على ما تسميه تهورا. لم يكن لأسماء ماضي ثقيل، إن استثنينا علاقة في أيام الدراسة الثانوية وأخرى في فترة الجامعة، اقتصرت فيهما مع صديقها على التلامس بالأيدي وتبادل بعض القبلات "البريئة". مع ذلك، حرصت على أن تخفي عن زوجها كل شيء. كما حرصت أثناء الخطوبة على إتقان دور" أمك الصنافة" ودور " أمي سيسي تكنس..تكنس" حتى تنال رضا ماهر.
أنت تقرأ
عبث الذاكرة
Romanceملخص: نجلاء صحفية لامعة وامرأة مستقلة وقوية الشخصية وغامضة. تتفاجأ، ذات صباح، بأن ذاكر الذي عشقته بجنون منذ خمس سنوات أصبح المدير الجديد للمجلة التي تعمل بها. كانت علاقتهما نارية الى حد الجنون ثم انفصلا بسبب الكبرياء. يتملك نجلاء الارتباك وتغرق في...