فتحت عينيها على وقع دقات الساعة الحائطية الخشبية الضخمة، المعلقة وسط قاعة الجلوس بشقتها الصغيرة في منطقة المنار بالعاصمة، معلنة حلول التاسعة. عجيبة تلك الحياة التي تولد من ذلك اللقاء الأبدي الغريب بين عمود من الأبنوس موشى بالفضة وكتلة من الميكانيك.
حياة تعد على البشر ثوانيهم، دقائقهم، إلى أن تأتي ساعتهم. حياة تقتل ولا تموت.
لا تحب الساعات. ولا مرور الزمن. لكن تلك التحفة من الأبنوس أسمى من ذلك بكثير. أهدتها لها والدتها تذكارا من مكة المكرمة عندما زارتها في موسم الحج منذ سنتين. صورتها بالحجاب الأبيض بذلك الإطار الخشبي الموشى قابعة بذلك الإطار الخشبي الموشى على الطاولة الصغيرة، تنظر إليها وتبتسم بحنان خرافي.
- ليتك تأتين معي إلى الحج يا نجلاء، إنه النور السرمدي، إنه معين المغفرة الذي لا ينضب. سأعينك على المصاريف، أعلم أنك بصدد تسديد قرض الشقة.
- ولم لا يرافقك بابا كامل؟ تعلمين جيدا أن الذهاب إلى الحج ليس مدونا على لائحة مشاريعي، على الأقل تلك قريبة المدى.
تنهدت ماما زبيدة.
- للأسف يرفض الحديث في هذا الموضوع. لما ألححت عليه قال لي:"حسبك أنني أحترم إرادتك ولم أقف أمامها حجر عثرة. ثم إنك ستذهبين مع مجموعة من خيرة الرجال والنساء، فلا مبرر إذن للخوف. أنت تعلمين موقفي من الحج، أحيانا أحج مرتين في الأسبوع وأنا جالس هنا في قاعة الجلوس أمام المدفأة. لا أرى أي موجب للتنقل آلاف الكيلومترات لأداء مناسك بوسعي القيام بها وأنا هنا في مكاني".
لم يفهم أنها ليست مسألة خوف. إذا رافقني أحدكما فستكون سعادتي مضاعفة. ثم إنني لست معتادة على السفر مثلكما. يهديك الله لم لا تأتين معي.
- ماما كم عمرك الآن؟
- إحدى وخمسين سنة. ولكن لم هذا السؤال؟
- حين أبلغ هذا العمر سأقرر إن كنت أريد الذهاب إلى الحج أم لا.
تنهدت وهي تنظر إلى عيني ماما زبيدة، مثل مدمنة تتناول جرعتها الصباحية من الحنان.كيف يعقل أن تنقل مجرد ورقة، بدقة متناهية ووفاء يتحدى الكمال، مشاعر بذلك القدر من العمق.
إن أكثر ما يثلج صدرها هو أن أمها حققت رغبتها في الحج إلى بيت الله الحرام قبل أن يوافيها الأجل المحتوم هي وبابا كامل بسبب ذلك الحادث اللعين.
كان ذلك الأرعن يقود سيارته بسرعة جنونية، لم يحترم واجب الوقوف أمام الضوء الأحمر. صدمت سيارته سيارة والدها من الجانب الأيسر. توفي بابا كامل في الحين. أسلمت ماما زبيدة الروح بعد ثماني ساعات، حين استنفذ الأطباء كل الجهود لإنقاذها.
أنت تقرأ
عبث الذاكرة
Romanceملخص: نجلاء صحفية لامعة وامرأة مستقلة وقوية الشخصية وغامضة. تتفاجأ، ذات صباح، بأن ذاكر الذي عشقته بجنون منذ خمس سنوات أصبح المدير الجديد للمجلة التي تعمل بها. كانت علاقتهما نارية الى حد الجنون ثم انفصلا بسبب الكبرياء. يتملك نجلاء الارتباك وتغرق في...