الفصل13 همسات عشق

34 1 0
                                    



نوفمبر يلفظ أنفاسه الأخيرة. سحب رمادية تكفن نور الشمس. قاعات الانتظار تعج بالمسافرين. كل إلى وجهته. كل إلى مصيره. يجرون وراءهم حقائب مليئة بالصور والأماكن والأحداث. حقائب مليئة بحيواتهم.

أصر وليد على أن يجذب حقيبتها الوحيدة ذات العجلات. رافقها في سيارته إلى مطار تونس قرطاج. أخبرها في الطريق بأن أكرم يتدرب على فن التمليس ونحت الطين.

- أنا من شجعه على ذلك. كان في البداية متخوفا، ولكن ما إن لامست يداه كتلة الطين حتى حصلت المعجزة. صدقيني كأنه نزل من بطن أمه وبين يديه قطعة طين. تفطنت منذ تعرفت إليه إلى رهافة حسه وتلك الطاقة الخارقة على الإبداع التي تملكها يداه. أعاد إليه الطين حبه للحياة. لقد اتفقنا على أن نمضي معا أسبوعا كاملا في مدينة طبرقة. أحد الأصدقاء أعارنا منزله المطل مباشرة على البحر، تحتوي قاعة منه على كل لوازم وأدوات النحت والرسم أيضا. قررنا أن ننجز بعض الأعمال الفنية ثم ننظم ثلاثتنا معرضا جماعيا. ما رأيك نجلاء، هل نحن قادرون على كسب الرهان؟

-أنا واثقة من ذلك، إنها فكرة رائعة، أعتقد أن هذا النشاط الجديد سيشغل أكرم ويبعده عن عزلته. سأنتظر قدومك إلى باريس يجب أن تقضي معي عطلة رأس السنة.

- يبدو أنني لن أجد عرضا أكثر إغراء من هذا. أكرم سيسافر في رأس السنة مع والدته إلى ألمانيا ليتلقى علاجا على عينيه. أجمع الأطباء في تونس على أن فقدانه البصر نهائي. أما والدته فلا تزال مصرة على أن تجرب كل الطرق العلاجية. أخبرتها شقيقتها المقيمة هناك أن علاجا جديدا بأشعة الليزر قد يعطي مفعولا طيبا. أنا لست متحمسا لسفره ولهذا العلاج المجهول، فالنتيجة السلبية ستؤثر حتما على توازنه النفسي وقد تسبب له انهيارا عصبيا آخر.

لم يتحدث وليد طوال الوقت سوى عن أكرم وكأن عقدة لسانه قد انحلت. استعاد ما عهدته فيه من حماس وانطلاق وحب للحياة. لم تكن لتستوعب في تلك الفترة القصيرة كنه علاقته بأكرم. ليس يكن من السهل عليها في البداية أن تفهم سر ذلك العشق الذي يجمع شخصين من نفس الجنس والذي يسمى في مجتمعنا و في بعض المجتمعات الأخرى "شذوذا". ولكنها كانت دوما تؤمن باحترام الاختلاف. وكان الأهم لديها أن يكون شقيقها سعيدا.

وصلها صوت سهام في الهاتف مفعما بالفرح والحماس الذي عودتها عليه.

- أيتها الماكرة، لماذا لم تعلميني بموعد سفرك، كنت أنوي مرافقتك إلى المطار. الآن فقط علمت من ذاكر أنك هناك.

- لا تقلقي بشأني، وليد إلى جانبي، ثم إنني أمقت لحظات الوداع. أخبريني عن ياسمين وعنك.

- ياسمين بخير، طلبت مني كالعادة أن أرسل قبلة منها إلى"تاتا نجولة". بالنسبة إلي، لا يزال الحصار ومنع التجول متواصلا مع بعض الغارات من حين إلى آخر.

عبث الذاكرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن