الفصل5 عاشقة ثائرة

28 1 0
                                    



خيم صمت رهيب على المكان. تسمرت بمدخل المكتب. بقيت يدها ممسكة بمقبض الباب المفتوح. بات نقطة ارتباطها الوحيدة بالعالم الخارجي.

كان مكتبها ولكنه فقد أبسط تقاسيمه المعهودة.لم تكن طاولتها البيضاء هناك، في مكانها طاولة بنية، أكبر حجما، من الخشب الرفيع موشاة بنقش فضي.

اختفى حاسوبها المكتبي. أمام ذاكر حاسوب محمول من طراز رفيع، ذو شاشة كبيرة. خزانتها البيضاء ذات الرفوف انسحبت أيضا لتحتل مكانها خزانة كبيرة ذات رفوف في الوسط وأبواب في الأعلى والأسفل.

أين الصورة العائلية التي تجمعها بوالديها وشقيقها وليد، تلك التي تخلد ذكرى نجم طفولتها الهارب؟ أين لوحتها التجريدية الممضاة من الرسام الشاب وليد منصور؟ لطالما استقبلت رحلاتها الكثيرة في عالم الخيال وأحلام اليقظة.

أين دفاترها، أين أقلامها، أين ستائرها البيضاء الشفافة الموشاة بدوائر فارغة سوداء؟ أين هي؟ اين بصمتها؟ أين روحها و شخصيتها؟ أين نجلاء؟

رفع ذاكر رأسه. التقت عيناه البنيتان بعينيها العسليتين. تهللت أساريره. لم يتفطن إلى ما اعتراها من ذهول. كعادتها تمارس طقوس إخفاء المشاعر بخشوع مطلق و حرفية عالية. بادرها قائلا وهو يقوم من كرسيه الأسود الفخم، وعلى محياه ابتسامة لم تنتبه إلى عذوبتها:

-أهلا بك نجلاء، تفضلي.

-ماذا تفعل بمكتبي؟ سألته بنبرة جليدية وهي تحدق به كمن يرى الشيطان لأول مرة.

-مكتبك؟ ماذا تقصدين؟

سمعت صوتا يشبه صوتها يسأله في همس مرير:

- ألهذا السبب أنت هنا؟ أهذا هو البرنامج الذي أعددته لتطوير المجلة؟

لا تتذكر جيدا كيف بارحت المجلة. كانت الصور في خاطرها مشوشة. مرتعشة. ضبابية. لا يزال صوته يناديها "نجلاء.. انتظري" ثم طقطقة حذائه وهو يسرع محاولا اللحاق بها، ترن بمسامعها رنين الصدى ببيت مهجور. لا بد أنها كانت تجري لتدرك المصعد قبل أن يلحق بها. خرجت مرفوعة الرأس. لم تكن ترغب في أن ينتبه أحد إلى ما ألم بها من إحساس بالخذلان.

صفعة قاسية من ذاكر،كتلك الصفعة القديمة. تركت أصابع الألم بصماتها أخاديد على أرض ذاكرتها.



دقت الساعة منتصف الليل ومعها ربيعها العشرون. أدخلت المفتاح بهدوء في قفل الباب. دخلت بعد أن نزعت حذاءها ذي الكعب العالي حتى لا يحدث وقعه ضجيجا. حاولت أن ترتب شعرها. أوصلها جلال أمام المنزل. ابتسمت. يا له من أحمق، لم يكفه ما حصل بينهما في شقته.لم يتركها تنزل من السيارة إلا بعد أن نفش شعرها وأجهز عليها بقبله وعناقه.

عبث الذاكرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن