عبرت سحر مدخل المستشفى الرئيسيّ عند الصباح الباكر تلتحق بيوم عملٍ أخير قبل عطلتها القادمة تنتظرها بفارغ الصبر علّها تتيح لجسمها بعض الراحة وتمدّ كيانها ببعض السكينة، فاعتراف الرئيس بحبّه لها سلب اتّزان عقلها وأشعل لهيب حماستها ذلك ليس بسبب هيبة الشخصيّة فحسب إنّما لمباهج الصدفة التي شاءت أن يلقى شعورها صدًى عند حبيب القلب، فكم من المشاعر الصافية ماتت ضحيّة جفاء الطرف الآخر! نصيبها في الحياة أن تختبر الحبّ المتبادل وهذه نعمة من فيض نِعمٍ قد حباها الله قليلًا من البشر.
ما إن أطلّت أمام عاملة الاستقبال حتّى أشارت إليها بالاقتراب تسلّمها ظرفًا مختومًا باسمها:
-هذا لكِ آنسة سحر، أوصله شابٌّ بعد خروجك بدقائق مساء الأمس
قلّبت سحر الظرف فلم تجد إلّا اسمها مدوّنًا، مطّت شفتيها مستغربةً متسائلة عن هويّة المرسِل ثمّ شكرت العاملة وفتحت الظرف تهمّ بسحب الورقة من داخله إلّا أنّ صفير سيّارات الإسعاف المستنفر أنبأ بوصول حالات طارئة فدسّت ما في يدها في الحقيبة وركضت مسرعةً إلى الخارج تهبّ طوعًا إلى المساعدة.
------------------------------------------------------------------------------------------------
نهض الرئيس من النوم بنشاط غاب عنه طيلة الأسبوع المنصرم، يدغدغ مزاجه شعور جميل لقادم الأيّام يعود فضله إلى ملكة القلب. إعترافها بحبّه أسكن نزاع الروح وأثلج وقد النار. جلّ ما كان يصبو إليه أن يفيض كلامها بالاعتراف وقد تحقّق الحلم، فماذا يبغي بعد هذه المكافأة؟ في الحقيقة يبغي الكثير الكثير إنّما ليس لنفسه، يبغي أن يحيطها بالأمان والحيطة، أن يُنصّبها ملكةً تتربّع على عرش حياته التي ما زالت تهاب صخبها، لن يسمح لشبح الخوف أن يهدّد صفاء حبّها، سيحاربه بكلّ ما أوتيَ من قدرة وقدرات رجل عاشق يحمي عشقه لا تضاهيها قوّة العالم بأسره فكيف إذا كان هذا العاشق رئيس حكومة يتمتّع بكامل نفوذ المقام ؟
بعد حمّام منعش معطّر بطيب الروائح انتقى بذلة رياضيّة سوداء اللون وهمّ يفتح الباب للخروج ليجد جينغار يصل بطبق الفطور في موعده المعتاد فبادره قائلًا:
-أريد أن أتناول الفطور في الحديقة، بلّغ نديم أنّني بانتظاره
-سيادتك، أظنّ السيّد نديم ما زال نائمًا
-أيقظه إذن
-فورًا، سيادتك
-وأمّي؟
-السيّدة تناولت فطورها باكرًا في غرفتها
إلتفّ صوب جناح والدته يبثّها تحيّة الصباح وينعم ببركة دعائها يُغدق عليه خير الأيّام وصالحها. لم تحتجِ الأمّ السؤال عن حالة ابنها فنضارة الشكل ورواق المزاج كانا كفيلين بالجواب. دقائق عذبة قضاها الرئيس إلى جانب والدته تتماسك أمامه، لا تريد أن تعكّر صفو باله بصداع ألمّ بها منذ ساعات الفجر لذلك لم تترك السرير وآثرت تناول الفطور في الغرفة.