تحت سماء زرقاء صافية تنير شمسها الساطعة أجواء الربيع ووسط مروج خضراء شاسعة الامتداد يربض ذلك البيت العتيق لا يأبه عمره بوافل سنواتٍ أصقلت حجارته المنحوتة بذكريات تعبق بطيب الحنين. جنّة طبيعيّة على الأرض حاك الله بهاءها بسرّ التكوين وأضاف إليها البشر ملجأً حاميًا من الحرّ والبرد. ملكيّة خاصّة تعود إلى آل الكريملي كانت حصّة أمير من الإرث قبل تدخّل القدر في رسم المصير، حافظ عليها الرئيس أمانة غالية من الغالي يرعاها برمش العين لكن بعيدًا عن النظر، لم تطأ قدماه شبرًا من الأرض بعد المصيبة التي ألمّت بالعائلة، وكيف يزورها وكلّ شبر فيها يعبق برائحة أخيه ويُنعش في قلبه ذكريات كواها جمر الفراق؟ ما زال يذكر مشواره الأخير برفقة أمير، أخبره أنّه ينوي الزواج من كلاريس رفيقة الطفولة وحبّ حياته لكنّ يد الغدر خطفت الآمال والأحلام في لحظة قاتمة بشعة لتترك الرئيس أسير ذكريات حارقة إنّما مع دخول سحر دنياه إنقشع سواد الغيوم، حملت له الحبّ يشرّع له أبواب الأمل نحو مستقبل لم يعره أيّ أهمّيّة في حياته السابقة. لعلّ اختياره لهذا المكان بالتحديد يلتقي فيه ملكته لهو إثبات لا يقبل الجدل أنّه يفتح صفحة جديدة تبدأ سطورها بمصالحة مع الذات ومع الزمن الماضي. هو الحبّ يفتح ذراعيه للرئيس معانقًا يتحدّى بشاعة الشرّ ويطوي صفحة الأحزان، صحيح أنّه لن يقوى على إخفاء الندوب لكنّه سكب عليها بلسم الشفاء، أعاد العشق إلى روحه معنًى للحياة يعده بمستقبل مع ملكة القلب بعدما كان يعيش فقط أسير القيام بمهامّ المنصب يهرب فيه من ألم الأحزان.
وصل فجرًا إلى "بيت الجنّة" وهو الاسم الذي أطلقه أفراد العائلة على الملكيّة، يحظى بلقاء مع الماضي بعد سنوات من الانقطاع وينعم بيوم مع حبيبة الروح في معقل الحبّ بعيدًا عن العيون.
لازمت سحر الصمت تترقّب انتهاء المشوار بعد رسالة جديدة من سيادته أتت في وقتها تخلّصها من هواجس سحبتها لوهلة إلى بشاعة التهيّئات لا سيّما أنّ السائق لم يضف حرفًا واحدًا إلى ما قاله في البداية، قرأت رسالته متنهّدة تزيل عنها ملامح القلق بعدما سلكت السيّارة طريقًا فرديًّا آخذًا بالصعود: " ملكتي... أحرقني شوق الانتظار... أطلّي عليّ بالزمرّد يُطفئ بريقه شعلة النار"، من غيره يناديها بالملكة؟ من غيره يغازلها بهذا الكلام؟ هو وحده سيّد القلب والمقام، يتغلغل إلى روحها ببديع الكلام والأشعار. أرجعت الهاتف إلى الحقيبة هانئة مطمئنّة البال فوقع نظرها على الظرف منسيًّا مهملًا بين أغراضها الشخصيّة، إلتقطته تهمّ بالقراءة بيد أنّ صوت السائق يُعلن الوصول جعلها تعيد الظرف إلى الحقيبة لتتلفّت يمينًا ويسارًا تستكشف بهاء المكان.
عبرت السيّارة بوّابة حديديّة عالية الارتفاع بعدما رضخت لتفتيش دقيق من قبل ثلاثة رجال أمن يحرسون المدخل الرئيسيّ ثمّ شقّت دربًا ضيّقًا مرصوصًا بالحصى حتّى توقّفت بمحاذاة بركة رخاميّة مستطيلة الشكل تتوسّطها نافورة ماء ترش رذاذًا يتطاير جذلان في الجوّ ثمّ ينفلش مسترخيًا على صفحة المياه. أبصرته يدنو من السيّارة بهيّ الطلعة باسم الثغر يفتح لها الباب الخلفيّ مادًّا ذراعه فاتح الكفّ يدعوها إلى النزول. وما إن أقلع السائق إلى الخارج حتّى ضمّ الرئيس الضيفة إلى صدره وطبع قبلة الترحيب على الجبين: