الجزء التاسع: الهدوء قبل العاصفة

417 34 4
                                    

كانت جميلة مستلقية على السرير بين أصابعها بطاقة صغيرة بيضاء تقرأ محتواها تارة وتنظر إلى السلّة الرابضة على منضدة تحت نافذة الغرفة طورًا، سلّة من زهور أقلّ ما يُقال فيها إنّها من أروع التصاميم في التناسق والنوعيّة النادرة الثمينة أوصلها منذ دقائق أحد العاملين في أشهر مشتل في المنطقة. أعادت جميلة نظرها إلى البطاقة لتقرأ من جديد كلماتها القليلة المعبّرة عن لياقة المرسل ورقيّه:

ألسيّدة الفاضلة جميلة أوغلو، أحرّ التمنّيّات بسلامة الشفاء... يمان كريملي

مبادرة بمنتهى اللياقة حملت جميلة إلى التفكير: "رئيس الحكومة التي أراه فقط في بعض الأحيان عبر شاشة التلفاز يُرسل إليّ باقة أزهار مميّزة مع بطاقة باسمي، يبدو فعلًا أنّ سيادته مهتمّ بابنتي، سحر ستُسرُّ كثيرًا بهذه اللفتة اللطيفة... أللهمّ، إن كان سيادته خير نصيب لابنتي فقرّب بينهما... ربّي أنت أدرى بالنوايا والنفوس، إرزق ابنتي بحسب نواياها الطيّبة...

دخلت سحر الغرفة آتية من قسم الأشعّة، وظيفتها في المستشفى جازت لها بصلاحيّات لا تتوفّر لذوي المرضى الآخرين، ما إن جهز تقرير الصورة الشعاعيّة حتّى كلّمها الطبيب المسؤول لتوافيه إلى القسم. دخلت فرحة مطمئنّة من النتيجة لتفاجأ بوالدتها تشير بعينيها إلى الباقة وتمدّ لها البطاقة مبتسمةً. ماذا يمكن أن تشعر الحسناء بعد هذه المبادرة اللائقة؟ حتمًا لن تغيب عن رجل بطبع الرئيس، باتت تعرف أنّ اللياقة والذوق والرقيّ قيم متوغّلة في شخصيّته. إقتربت من السرير تجلس بجوار أمّها تستعدّ لكلام بقي عالقًا بسبب الحادثة:

-ماما، أريدك أن تعرفي أنّ سيادته... يعني نحن الآن...

أمسكت جميلة يد ابنتها تربّت عليها بكلّ الحنان وقالت تخلّصها من تعثّر الكلام:

-حبيبتي، كلّ ما أريده من هذه الدنيا أن تكوني سعيدة هانئة مع الشخص الذي تختارينه، كوني فقط متيقّظة ولا تتسرّعي واتركي الله يدبّر أمورك

----------------------------------------------------------------------------------------------------

توقّف الموكب أمام المدخل الرئيسيّ فترجّل الحرّاس ببذلاتهم السوداء يؤمّنون دخول سيادته وعيونهم رادارات متنقّلة تراقب المكان برمّته فإذا به ينزل من السيّارة المتوسّطة موشوشًا مرافقه الخاصّ ببعض الكلام ما لبث أن طُبّق على الفور بعد إشارة سريعة من الحارس ليتفرّق الرجال بهدوء ويدخل الرئيس منفردًا تواكبه العيون.

أخبرت سحر أمّها عن حكاية الدورة، عن التزامها بوعد قطعته للمدير أن تتكتّم عن موضوع رعاية السيّدة نازلي أمام الجميع حتّى أقرب الناس إليها من باب الاحتياط ، لم تفاجئها ردّة فعل أمّها التي فتحت عينيها شاخصتين تستوعب حقيقة الأمر، لم تلم ابنتها كثيرًا لكنّها لم تخفِ استياءها من الكذب، واكتملت الأخبار سريعة توجز تودّد الرئيس للممرّضة فلاحت ابتسامة على وجه الأمّ تشجّع ابنتها على الإكمال لكنّ طرقات خفيفة على الباب أبقت الحديث عالقًا عند مشوار المزرعة، فدعت سحر الطارق إلى الدخول بشي من الانزعاج بعد أن قطع أحلى اللحظات لكن بقي الباب منغلقًا فنزلت عن السرير تهمّ بفتحه وهي تقول:

سيادة الرئيس الموسم الأوّلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن