عائلة

6 1 0
                                    


وسط الفراغ والهدوء، جميع من في المنزل كانوا غارقين في منتصف احلامهم، و قطط المنزل نيام على الاريكة وفي الغرف، عداه هو، جالسا في المطبخ عاري الجسد، يلبس شورت فقط وانوار الدرج الصفراء كانت تغلل جسده النحيل وتنعكس على كوب الشاي بجانبه، يحتسي الشاي وهو غارق في افكاره :

ماذا يعني ان تكون الاخ الاكبر في العائلة؟ هل يجب ان تكون مسؤولا عن جميع افراد عائلتك من ضمنهم امك وابوك؟ أم المسؤلية هي تقتصر على اخاك الصغير و كيفية نجاحه وتربيته لانك الشخص المؤثر في حياته؟ ، هل يجب ان اكون قدوته؟ وان اكون الشخص الناجح رجل البيت بعد أبي وان اجعل امي تفتخر بكونها تمتلك ابنا، كبير،

لماذا انا الاكبر، لطالما تمنيت وجود اخا لي كبير كما انا موجود لاخي عمار، لقد كنت معتاد انني الافضل في كل شئ الارتب والاذكى بين الطلاب، والان كل ما أشعر به هو ان الجميع خاب ضنهم بي لكوني لا اجيد شي جيد سوى انني انجح في دراستي، افتخارهم بمعدلي وكيف حصلت المنحة الدراسه المجانية لكلية الطب وكيف تستطيع ان ترى عيونهم براقة مشبعين بالسعادة عندما ينادوني (الدكتور انس)

لكن.... هل هذا ما اردته حقا ؟ انني بالكاد استطعت النجاح من المرحلة الثالثة للطب، رغم تراكم المشاكل في العائلة وعملي السابق كندوب عصرا، فقط لجمع المال لاجل حياتي اليومية ومساعده امي لكي تجمع المال لدخول اخي (عمار) لدروسه الخصوصي لاستعداده لسنته الاخيرة بالمرحلة الاعدادية، استطيع فقط القول انني فخور بنجاحي هذا، لكن بالجهة الاخرى انني اريد المزيد، ان هذا لا يكفي، كيف استطيع الصمود لثلاث سنين أخرى، بالكاد نجحت، جميع عائلتي لاحظوا ما اكنت امر به واول ما قاله ابي (جمال) " ان كان عليك ضغطا كثيرا، تبا لهم، اترك السنه الدراسية"،

لكن كيف يمكنه ان يقول هكذا!؟ ، انني بالفعل متاخر سنتين!، وكان يقول : كل ما يهم هو حالتك الصحية انس، يوجد الكثير من الوقت لاحقا.
كان هذا الكلام عكس ما قالته امي(مريم) " هاي! اترك عملك وركز على دراستك! ، سوف ندبر امورنا"،
كل مره كانت امي تقول نفس هذا الجملة لكن الحقيقة اننا بالكاد نستطيع العيش على دخلنا المادي هذا.
اخذ انس كوب الشاي ووضعه في حوض الصحون واخذ يتفقد قفل الأبواب وتأكد من إغلاق الطباخ واطفئ الانوار عدا اضوية السلم الصفراء، وصع. للحمام ليفرش أسنانه ومن ثم بعدها دخل إلى الغرفة واقفل الباب على نفسه والقى بجسده على السرير واخذ يفكر :

" جميع هذا الأفكار تأتي في اليل على شكل أمواج، وفي كل موج توجد افكار جديدة، مما كنت اصاب ب أرق في معظم الايام وعند استيقاظي صباحا فتكون جميع الافكار قد اختفت ويبدا يومي وانا افكر في النهوض ومواجه هذا العالم والانطلاق نحو معركه البقاء لنهايه اليوم.
وعندما رحل ابي من منزلنا اصبحت هذه الافكار تاتي صباحا أيضا بل كل ساعه ومن الممكن على طول اليوم، لا اعلم لكن اصبحت افكر اكثر واتساأل اكثر ولا انسى ليالي الايام التي مضت كما كنت معتاد، اصبح نهوضي صباحا امرا صعبا، لم يكن هنالك سبباً مهم لرحيل ابي من المنزل،انني على يقين انه كان نادما على الزواج من امي وعلى انجابه لنا انا وعمار ، لقد كان يخبرني دائما ا بهذا الكلام على طول ال22 سنه من حياتي.

كان يقولها وقت الغضب او وقت الهدوء، لم اعلم مشاعره الحقيقة ، اظن انه يريد ان يرى حياته، يظن اننا سلبنا منه الحق في العيش، انه يكره المسؤولية وكان يقول ان سبب استمرار صمد هذا العائلة هي وجود والدتي فقط. وفي بعض الايام كان يقول لي ان سبب استمراره بالعيش هو وجودنا وهو لايريد شيئ اخر من هذه الحياة سوى مشاهدتنا ونحن ننجح ونعيش حياه كريمة، لقد اعتدنا على رحيل والدي المفاجئ وتحملنا مسؤولية البيت عند رحيله في كل مره ، في البدايه كان يخرج من المنزل بعد أي مشكله مع والدتي ويبقى ايام او اسابيع،وكانت امي تسامحه عند عودته وعندما اسالها لماذا؟ ترد "لانه والدكم وليس له مكانا اخر غير العودة هنا".
بعدها بدون اي سبب بدأ يخرج من المنزل ولا يعود لفترات أطول، ومن ثم يعود فجاءة لاحساسه بانه رجل البيت وأننا نحتاجه في المنزل لكوننا مشغولين طول اليوم ولا نستطيع العيش بدونه او بدون ماله، لقد كان يتحمل مسؤلية كثير من الاشياء التي لا نعرفها في المنزل كمراقبة الماء، الكهرباء، الفواتير، الغاز، وغيرها من الامور التي تعلمناها بمرور الوقت.

لم اكن اهتماما لهذا المشاكل ولجميع الأشياء السابق، ولكن الان!، نعم الان! اشعر انني بدأت افهم كل شيء، كل التفاصيل، جميع الزوايا، جميع الاسرار، كل شيء كان بشع،. بدأت أرى الاشياء بشكل مختلف تماما عن ما كانت سابقا ، كنت اغض النظر عن الاشياء السيئة واراه الاشياء الجيدة الممتعه فقط، والان كل ما اراه هو بشاعه هذا العالم، اريد التمسك بهذا العالم قبل ان افقد نفسي ، اريد العودة لرؤية الاشياء بسيطة وسهلة كما تتعامل امي مع المشاكل، لماذا لم احمل منها هذه الصفة الجميلة، او ربما لم تكن جميلة؟ ربما صفة التجاهل لديها كانت السبب لما عليه الان عائلتنا، وكما معتاد اننا عائلة تحب الكتابه على الورق، نكتب ملاحظات، نكتب رسائل لبعضنا، واذا اردنا اخبار احدا بشيئ ما ، فاننا ننسى المراسله على الهاتف ونكتفي بكتابه رساله ولصقها على ثلاجه المنزل او على طاولة الطعام في المطبخ، وكان من المفترض ان لا اتاثر برسالة ابي الاخيرة، نعم لقد كتب فقط رسالة ، وكانت المرة الاولى التي يخبرنا برحيله من المنزل وكتب بها :

((عندما كنت ارحل لم اخبركم بشيئ ، ارحل واعود لكن الان قررت الذهاب ولن أعود، انقضى الوقت واصبحت كبيرا اريد رؤية الحياة لاخر مرة وحدي وانا حر، مريم، انس، عمار، اهتموا بصحتكم ولا تسألوا او تبحثوا عني. والدكم.)).
لقد قرر ابي ان يكتب هذا الرسالة على ورقة بيضاء ووضعها على ميز الطعام ويغادر المنزل بلا عودة وبكل برود، في البداية لم اتأثر بالعكس فرحت من اجله، ليرى حياته كما يريد، ولكن بعد مدة شعرت بحزن وضيق في صدري.
امي كانت تمثل بانها لم تهتم ولكن متاكد ان هنالك بركان غضب منفجر بداخلها وتحاول ان تكبح غضبها من أجلنا حيث كانت تعلم ان علاقتها مع ابي هي علاقة غير مستقرة وان بقائهم في المنزل من أجل اولادهم فقط ولان اصبحت على يقين بما كانت تظن . حزن اخي عمار لانه كان يحب ابي كثير وكان قريب منه حيث كان معتاد على ان يقضي معظم الوقت معه في المنزل ويتهرب من الدراسه لتضيعه الوقت للحديث مع عن مواضيع مختلفة. لم نتقبل قرار رحيله بالبدايه وكان العديد من المشاكل تحدث في المنزل و حول قرار البحث عنه او لا وبعدها قالت امي بصوت رزن و مؤكد : لا! انها النهاية، لقد اختار الذهاب، فليذهب، لطالما كان الكثير من المسولية على عتاقي والان لاباس بأن تزداد مسؤليات اخرى، ليذهب وليكن سعيدا في أي مكان هو به الان، لا أعلم كم من الوقت احتاج حتى انسى جميع هذه الأمور واعتبرها ذكريات بسيطة، الان احتاج فقط ان انام لاريح عقلي وجسمي".
نظر انس إلى الستائر وشاهد انعكاس الشمس عليها حيث بدأ الصباح، أدار وجهه من الجهة الأخرى ومن ثم غط بالنوم.

The Tea And The Knife, الشاي والسكين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن