كرزةُ مخفُوقِ الفانِيليا _1_ <رقّة خُطَى>

37 4 0
                                    

جالسًا بمقعدِه المُعتاد ، أسفَل النافِذة المُطلّة على الشّارع الرئيسي ينتظِرُ قهوته .

الجوُّ ماطرٌ و السمَاء دكناءُ كَعادة ينايِر ، و هذَا أولُّ أيامِه لهذهِ السنة ، و لن يكسرَ هُو تقاليده في إمضاء ساعة السابعة صبَاحًا بين أريجِ البُنّ و عبيرِ المَخبوزات هُنا .

المَقهىَ هادئ سكريّ اللون ، و أثاثُه بُنيّ لامِع ، تناسقٌ فذُّ لإفتتاحِ اليوم .

مُهجته تنشرِح هُنا ، و فاههُ باسمٌ لمجرّد إقترابِ النادل مع الأميريكانو خاصّته ، رغوتُها سلسة ، فحواهَا آسرة ، و وقعُ ذوقها على جوفِه دافئٌ يداعِب خُلجه ، يُنسيه كُلّ همّه .

الفنجانُ ببنانِه إرتفع ، و رائحتُه طالت أنافَه فتغلغلت لخُلده، دفئه تسللّ لكفه حامِلِه ، و لرُوحه مُنتظِرته .

حَلاوةٌ دُون سكّر باتت بِه ، و هكذَا يبدأُ اليومُ بالنّسبة له قَبل أن ينصرِف إلى عملِه الذي يأكُل بقيةَ وقتِه .

مجيئِه باكرٌ دومًا لتفادِي الزّحام على قهوةِ الصّباح ، لذَا فحِين يقرّر الخروجَ تبدأ أجراسُ البابِ المعلّقة ذات الشكْل الأسطوانيّ الأجوفِ تتصادمُ فتحدثُ نقرًا موسيقيًا كُلما دلفَ أحدهُم .

ذاك مُستعجِل ، و هَذا قَضى دوامًا ليليًا مُتعبًا ، أمكَنه حتمًا تحديدُ حالِ الدّالف بمجرّد خطوِه للدّاخل و إزاحَته للبابِ فتحريكه لأجراسَه ، الأجراسُ الصينيّة واصفَةٌ لحَال مُحرّكها .

يُحاكي إضطرابُ صوتِها روحَه ، فيُصوّرها نغمَةً واضحَة لمن ألِف الإستماع لَها بتمعُّن ، لا طَريقًا واصِلاً لخوافِي أحدِهم كَتأثيرِه العفويّ على ما حَولَه .

السمَاءُ خارجًا لَم تُقررّ أ تُمطِر بعدُ أم تُثلِج ، الحرارَة تُجاوِر الصّفر غير سامِحة لنُدف الثّلج بالإستقرارِ على حَالها .

يراقِبُها من خَلفِ زُجاج النّافذَة ، تنزِل نُدفًا فاتنَةً الخَلقِ فيُصَيّرُها الدّفئ قطرَات مَطرٍ دَقيقَة ، الدفْئ ليس بذاكَ الأثرِ الجمِيل دومًا ، هكَذا فكّر هُو .

البَاب نَغَم مُجدّدا ، و هُو بموعِده مَع قهوتِه لا يزال مُنغمّسًا لا يشربُها فقط ، بلْ يتشرّب بفحواهَا .

النّغمة هادِئة ، أمّا وقعُ الكَعبِ المُسرع قد عاكَسها ، رغم سُرعته فالرّقّة كَانت بِه قابعَة بطُغيان ، هو كَذلك فكّر لكّنه لا يزَال يصُب تركيزَه على ما بين كفّيه .

"مَخفوقُ فانِيليَا لَو سَمحتِ . "

الجُملَة و قولُها اللّطيف ، الحرُوف و نطقُها الدافئُ دفعاهُ لرفعِ رأسِه مُفكّرًا -أ دِفؤُها أذابَ نُدفَ الثّلج اليومَ رُبّما ؟- 

النادِلة الصّغيرة أعطتهَا طلبَها ، هو فقط أخذ منظَرًا خلفيًا لمعطفٍ طويلٍ عاجِيّ اللون ، ينسدِل خلفه شعرٌ كستنائيٌ كثيفٌ مموّج .

"الكَرزَة آنستي !"  / " نسيتِي كَرزَتك ! "

فاهَت الواقفة تُظاهره و تلتها النادِلة ترتيبًا لكنّ مقصَد كلتيهما واحِد ،

هي مَالت تضعُ الحِساب ريثمَا النادلة أضافت الكَرزة رُبّما ، هو لم يتمكن من الرؤية فالزّاوية لا تسمَح له بِذلك .

ذاك لم يَدم طويلاً ، هِي إلتفتت تخرُج على عجلٍ تخللتْه وقفةٌ نظرت بِرضى فيها نحو كوبِها ، ثم دسّت القشّة بثغرِها باسمَة رُغم زمّها لهُ تخرجُ من المَكان .

" الرمشُ طالَ مُعانِقًا الخدّين .

الوردُ سكَن طواعيّة بالوجنتينِ ،

بُنّ يوميِ يبدَؤني جُورِيًا بكرزَةٍ ،

ألَا تدرِي أن القّشة قابعةٌ بين إثنتَينِ ؟...."

دَوّن على حاسُوبه ما خالجَه ، ثُمّ إنطلَق لعملِه ، هو منطقِيٌ يؤمِن بأنّ الفرصَة المِثالية لا تتكرّر ، لذا حاول التناسيَ فقطْ حينما خرَج و لم يلمح طيفَها بالجِوار... .

[✓]كَرَزةُ مَخفوقِ الفَانيلا || Vanilla Shake's Cherryحيث تعيش القصص. اكتشف الآن