جالسًا بمقعدِه المُعتاد ، أسفَل النافِذة المُطلّة على الشّارع الرئيسي ينتظِرُ قهوته .
الجوُّ ماطرٌ و السمَاء دكناءُ كَعادة ينايِر ، و هذَا أولُّ أيامِه لهذهِ السنة ، و لن يكسرَ هُو تقاليده في إمضاء ساعة السابعة صبَاحًا بين أريجِ البُنّ و عبيرِ المَخبوزات هُنا .
المَقهىَ هادئ سكريّ اللون ، و أثاثُه بُنيّ لامِع ، تناسقٌ فذُّ لإفتتاحِ اليوم .
مُهجته تنشرِح هُنا ، و فاههُ باسمٌ لمجرّد إقترابِ النادل مع الأميريكانو خاصّته ، رغوتُها سلسة ، فحواهَا آسرة ، و وقعُ ذوقها على جوفِه دافئٌ يداعِب خُلجه ، يُنسيه كُلّ همّه .
الفنجانُ ببنانِه إرتفع ، و رائحتُه طالت أنافَه فتغلغلت لخُلده، دفئه تسللّ لكفه حامِلِه ، و لرُوحه مُنتظِرته .
حَلاوةٌ دُون سكّر باتت بِه ، و هكذَا يبدأُ اليومُ بالنّسبة له قَبل أن ينصرِف إلى عملِه الذي يأكُل بقيةَ وقتِه .
مجيئِه باكرٌ دومًا لتفادِي الزّحام على قهوةِ الصّباح ، لذَا فحِين يقرّر الخروجَ تبدأ أجراسُ البابِ المعلّقة ذات الشكْل الأسطوانيّ الأجوفِ تتصادمُ فتحدثُ نقرًا موسيقيًا كُلما دلفَ أحدهُم .
ذاك مُستعجِل ، و هَذا قَضى دوامًا ليليًا مُتعبًا ، أمكَنه حتمًا تحديدُ حالِ الدّالف بمجرّد خطوِه للدّاخل و إزاحَته للبابِ فتحريكه لأجراسَه ، الأجراسُ الصينيّة واصفَةٌ لحَال مُحرّكها .
يُحاكي إضطرابُ صوتِها روحَه ، فيُصوّرها نغمَةً واضحَة لمن ألِف الإستماع لَها بتمعُّن ، لا طَريقًا واصِلاً لخوافِي أحدِهم كَتأثيرِه العفويّ على ما حَولَه .
السمَاءُ خارجًا لَم تُقررّ أ تُمطِر بعدُ أم تُثلِج ، الحرارَة تُجاوِر الصّفر غير سامِحة لنُدف الثّلج بالإستقرارِ على حَالها .
يراقِبُها من خَلفِ زُجاج النّافذَة ، تنزِل نُدفًا فاتنَةً الخَلقِ فيُصَيّرُها الدّفئ قطرَات مَطرٍ دَقيقَة ، الدفْئ ليس بذاكَ الأثرِ الجمِيل دومًا ، هكَذا فكّر هُو .
البَاب نَغَم مُجدّدا ، و هُو بموعِده مَع قهوتِه لا يزال مُنغمّسًا لا يشربُها فقط ، بلْ يتشرّب بفحواهَا .
النّغمة هادِئة ، أمّا وقعُ الكَعبِ المُسرع قد عاكَسها ، رغم سُرعته فالرّقّة كَانت بِه قابعَة بطُغيان ، هو كَذلك فكّر لكّنه لا يزَال يصُب تركيزَه على ما بين كفّيه .
"مَخفوقُ فانِيليَا لَو سَمحتِ . "
الجُملَة و قولُها اللّطيف ، الحرُوف و نطقُها الدافئُ دفعاهُ لرفعِ رأسِه مُفكّرًا -أ دِفؤُها أذابَ نُدفَ الثّلج اليومَ رُبّما ؟-
النادِلة الصّغيرة أعطتهَا طلبَها ، هو فقط أخذ منظَرًا خلفيًا لمعطفٍ طويلٍ عاجِيّ اللون ، ينسدِل خلفه شعرٌ كستنائيٌ كثيفٌ مموّج .
"الكَرزَة آنستي !" / " نسيتِي كَرزَتك ! "
فاهَت الواقفة تُظاهره و تلتها النادِلة ترتيبًا لكنّ مقصَد كلتيهما واحِد ،
هي مَالت تضعُ الحِساب ريثمَا النادلة أضافت الكَرزة رُبّما ، هو لم يتمكن من الرؤية فالزّاوية لا تسمَح له بِذلك .
ذاك لم يَدم طويلاً ، هِي إلتفتت تخرُج على عجلٍ تخللتْه وقفةٌ نظرت بِرضى فيها نحو كوبِها ، ثم دسّت القشّة بثغرِها باسمَة رُغم زمّها لهُ تخرجُ من المَكان .
" الرمشُ طالَ مُعانِقًا الخدّين .
الوردُ سكَن طواعيّة بالوجنتينِ ،
بُنّ يوميِ يبدَؤني جُورِيًا بكرزَةٍ ،
ألَا تدرِي أن القّشة قابعةٌ بين إثنتَينِ ؟...."
دَوّن على حاسُوبه ما خالجَه ، ثُمّ إنطلَق لعملِه ، هو منطقِيٌ يؤمِن بأنّ الفرصَة المِثالية لا تتكرّر ، لذا حاول التناسيَ فقطْ حينما خرَج و لم يلمح طيفَها بالجِوار... .
أنت تقرأ
[✓]كَرَزةُ مَخفوقِ الفَانيلا || Vanilla Shake's Cherry
Romanceلُقياهُما جَاءت بِسبب كَرزة ، كَرزة تعلوُ مخفوق الفَانيلا..... أ يُعقل أن لسانَه مُذ رآها أنبَر لأميرَةِ ديسَمبر : " الرمشُ طالَ مُعانِقًا الخدّين . الوردُ سكَن طواعيّة بالوجنتينِ ، بُنّ يوميِ يبدَؤني جُورِيًا بكرزَةٍ ، ألَا تدرِي أن القّشة قابع...