كَرَزةُ مَخفوقِ الفَانيلا _8_<رأفة نهر السين>

11 3 0
                                    

السماء مُقمرة بهية و البدر يُطالع الملأ ينعكس على نهر الأحزان ، النهر الذي بزوياها و أسيجة جسوره علّق العشاق آمالهم بأقفال واهية .

النجوم طرّزت السماء بهيّة صيرتها ، تناثرت على مداها تترامى حتّى الأفق تناجي المبصرين و الحالمين .

تخاطب بلمعتها المطفأة ، و بريقها العتيق منذ نشأة الكون كل مهموم و محزون يراقبها ، و يرقب فيها فقيده .

قلوب علقت آمالها بذاك القمر المكتمل و أخرى بزخات شهب أول مارس لهذا العام ، الجميع إجتمع هنا على ضفة نهر السين ينتظرون أن تمتلئ السماء ببعض المذنبات ليلقوا بثقل أمانيهم عليها .

هو لم يأتِ لأجل ذلك بل لأنه يعشق بريقا سكن السماء ، و يعشق نجما لمع بخاصته ...

البعاد وضح لذاته أنها وقعت بفخ التعلق ، و فضح لسره أن بشَرَك الإشتياق لها قابع .

هو أتى ليرصد البريق الذي ألفه بعينها ، يرصده في السماء الدعجاء المرصعة الليلة ببعض من النجوم و المذنبات.

كجندي لم تثنه الحروب ، كان رجلا صلبا لم تحنِه المشاعر ، لكنه و بطريقة ما ركع طواعية لهذه اللهفة التي غلّفته .

و بالزاوية الأخرى للمشهد هي كانت خلفه ، و للمرة الأولى بوجهة نظره هو كانت أول من يلمحه ، تمكنت من إدراك أنها أمام هالة الديجور الذي تميزه ، خصلاته السوداء الحالكة و معطفه الكلاسيكي الفحمي الطويل .

لنقل أن هذا غير كاف لمعرفته ، بل هي رأته منذ أول خطوة خطاها وسط الحشد ليجلس بطاولته التي حجزها تفاديا للزحام .

هي جلست أمامه هذه المرة ، و افتتح هو الحديث ، تبادل كلاهما الأدوار للمرة الأولى ، هي أول من يلمحه و هو أول من يحادثها .

"طلّت الشهب مُخطئة الوجهة ، السماء أعلانا فهل صارت بالمقعد الذي أمامي ؟ "

تنحنحت ترقب عينيه الحالمتين ، سوادهما العاتم ذا الجاذبية الطاغية و لمعةً إرتكنت بمقلتين كلؤلؤ مصون .

" لربما رسونا بعضنا بالأرض ، ليس الجميع شهبا عابرة "

هو لبلاغة و عمق كلامها نسج الكثير ، هي تحيك بالحروف ما لا يسمح لداخله الدقيق بأن يخيب الإدراك ، لكنه لم يسمح للشك بأن يغادره فأردف محاورًا ذاته :

"تُراها تُلاعبني ، تُمازحني ...

أتريد أن بكلامها لهوة الواقعين تنفيني ؟

أم أنها جادّة و بقدومها تُبادلني ،

ما لها الليلة نظراتها الحالمة تأويني ؟...."

[✓]كَرَزةُ مَخفوقِ الفَانيلا || Vanilla Shake's Cherryحيث تعيش القصص. اكتشف الآن