السَّابع من يناير..
قبل ثمانٍ من السنوات..نظرتُ إلىٰ المقعد المجاور ألفظ أنفاسي بتوتّرٍ ما إن وقَعت أنظاري علىٰ باقة الزهور الزرقاء ورودها، ذوقها في باقة، ورود بدرجات اللون الأزرق بدءًا من السماوي إلىٰ الكُحلي، لم أفعلها يومًا أن أفاجئها في ذلك المشفىٰ الذي باتت تتدرّب فيه أخيرًا، وأفاجئها بسيّارتي التي اشتريتُها على طرازٍ حديثٍ.
إنّها العاشرة، لا بُدّ أنّها متفرّغةٌ الآن..
صففتُ سيّارتي في مواقف المشفىٰ، تناولتُ الباقة بحذرٍ أحملها بين ذراعيّ، ذهبتُ إلىٰ موظّف الاستقبال أسأله عن رُبىٰ، أخبرني بنبرة عاديّة:
«لقد استأذنت.»عقدتُ حاجبيّ استغرابًا أستفسر قلِقًا:
«ما بها؟»قلب شفتيه بينما يُجيبني:
«لقد أخبرتني لُبنىٰ أنّها شعرت ببعض التَّوعّك، لذلك انصرفت.»قطبت جبيني قلقًا عليها؛ فهي حتى لم تهاتفني، سألتُ الموظّف مرّة أخرىٰ:
«متىٰ خرجت؟»هز كتفيه مجيبًا:
«لقد خرجَت توًّا، رُبّما لا تزال تنتظر سيّارة الأجرة التي طلبتها، قد تلحق بها إذا كنت سريعًا كفاية.»أومأتُ أخرج مجدّدًا، وفعلًا وجدتُها علىٰ أول الشَّارع قبالة الطّريق تنتظر سيّارة علىٰ ما يبدو، قررتُ مناكفتها قليلًا فاتصلت عليها، راقبتُها إلىٰ أن وصلها اتصالي، ففوجئتُ بها تخرجه من جيبها عابسًا وجهها تضعه علىٰ وضعيّة الصَّامت، تعيده في جيبها من جديد. بدت لي وكأنها تزفر جُلّ أنفاسها في زفرةٍ طويلةٍ. تعجّبتُ من ردة فعلها المريبة التي لا تصدر منها قط من ناحيتي، فاستوقفني توقّف سيّارة بيضاء ذات شعارٍ فاحش الثَّراء، تبدّل وجهها وابتسمت تلك الابتسامة شديدة السّحر التي دائمًا ما تمنحني إيَّاها، بل وأجمل. ركبَت في المقعد المجاور له تغلقه خلفها بهدوءٍ، وأكملت السيّارة مسيرها تقف في تلك الإشارة.
كان منظرًا صادمًا لم أستطع منع الشَّيطان من وسوساته وإحساس غريب ينبش صدري؛ فمهما بلغت سيّارات الأجرة العاملة لدىٰ التطبيقات المعروفة، لن تكون بفاخرةٍ مثل تلك أبدًا، وإن كانت ستنقل الوزير نفسَه!
سرعان ما ولجتُ سيارتي أتبعهم بهدوء إلىٰ أن بتُّ واقفًا في الإشارة أنا الآخر، بالطبع ذلك زميلٌ من زملاء رُبىٰ، لربّما عرض عليها توصيلة ومن باب المجاملة لم تستطع رفضها، أعرفها رُباي لا قدرة لها علىٰ ردِّ يد الجود، أنا فقط أريد الاطمئنان عليها واللَّحاق بها، لقد أخبرني ذلك الموظّف أنّها متوعّكة، لرُبًَما لا تريد إقلاقي، لطالما فعلتها متحمّلة الألم وحدها لأنها فقط لا تريد ملء عقلي بما لا ينفعه ويقع علىٰ كاهله عاتقًا!
تبعتُ السيّارة أخفي وجهي بنظّاراتي الشمسيّة الكبيرة، وياقة معطفي الشتويّ، أعرف ذلك الطريق، إنّه طريق كورنيش البحر! لطالما سلكانه سويًّا أنا وهي نستجمُّ قليلًا أمام أمواجه، توقّفت السيّارة البيضاء في مواقف الكورنيش المخصّصة له ناحية الجزء الأكثر هدوءًا منه، نزل الفتىٰ أوَّلًا قبل أن يفتح بابها هي، فغرتُ فاهي بصدمةٍ وكأنًَ دلوًا باردًا كُبّ فوق رأسي، هي بدون حجابها وقد خلعت معطفها الطويل الملامس لكاحليها تكتفي بسترة جلديّة بالكاد تصل إلىٰ خصرها وخصلاتها القصيرة السّاحرة تطير حول رأسها بفعل تلك الرياح!
أنت تقرأ
رُبىٰ
Mystery / Thriller«مُكتملة.» أَرَبَـا جرحٌ؟ أَرَبَـا عشقٌ في فؤادي؟ أَرَبَـتْ أيامي نورًا وضياءً؟ أم.. احليلاكًا وغُبسة؟ أَرُبىٰ فؤادي واحدةٌ أم ثمانٍ؟ أو لرُبَّما سبعٌ؟ أيُّ ربوةٍ تلك التي رَبوْتُها فهويتُ من أعلى قمتّها أتدحرج وصولًا إلىٰ سعير عشقها؟ هلِ السابعُ م...