الفصل الثالث

160 8 0
                                    

متنسوش تعملوا ڤوت وتقولوا رأيكم❤️
بعد نصف ساعة كان الجميع مجتمع في موقع الحريق، منهم من كان يحمل أحواض المياه ويُلقى على النار كمحاولة بائسة للإطفاء أو حتى للتقليل من شدتها، ومنهم من كان يهتم بالرجال الذين أصيبوا بضيق التنفس أثر هذا الكم من الدخان، والبعض الأخر وهم الإخوة كوشوفالي كانوا يجلسون بجانب ادريس يشاهدون تعب سنوات مضت يتبخر في الهواء أمامهم وهم عاجزون عن فعل شئ...

وهناك خلف الجدار يجلس صالح رفقة ميدات بعدما ذهبا ميكي وجيلاسون لإحضاره عن طريق إنفصاله من الشئ الوحيد الذي يتمكن به ألا وهو النوم...
كان يعبث بكلتا يديه تارة، ويزفر تارة أخرى ثم يتلفت حوله بحثًا عن أي شيء يُذهب ذلك الضجر المزعج عنه
"abi" "أخي"
ليضع صالح يده على خده بملل ويردف بتذمر
"نعم ميدات"
"لماذا لا نطفئ هذا الحريق؟"
القى سؤاله بكل جديه لتشتعل عينين هذا الذي يقبع جواره وهو يدير وجهه له و يرمقه من فوق لأسفل
"والله كان بوِدي سيد ميدات، ولكن إذا دخلت إلى هنا سأخرج رمادًا، وربما لا أخرج أبدًا"
هز ميدات رأسه تفهمًا لحديثه، طالعه صالح بحنق ثم أعاد وجهه ليصبح امام النار مرة أخرى وما إن راه والده حتى نادى عليه فنهض من جوار ميدات بسرعة وذهب له
"صالح، اتصل بسيارة الإطفاء يا بني حتى لا تدمر النار الحي"
لبى صالح طلبه وقام بالاتصال بسيارة الإطفاء، وذهب للجلوس بجوار ميدات
"ميدات"
انتبه له ميدات وهو يوجه جميع حواسه للاستماع إليه
"يبدو أن قدري كتب معك يا بني"
لينهي جملته وهو يضمه له ويقبل رأسه
"احسنت يا ميدات، أحسنت"
ابتسم ميدات رغم عدم فهم لشئ ولكن هذا الأمر جيد على الأقل افضل من الصراخ عليه
"توقفوا يا شباب سنعود للبيت"
وما إن قال ادريس هكذا حتى توقف الجميع عن العمل وبدأ كل واحد منهم يلملم حاجته
"أبي، ماذا سنفعل بمن فعل هذا؟ "
"سننتظر جومالي حتى يأتي إلينا ونتفاوض"
نهض جومالي من مكانه صارخًا بغضب حتى أن الرجال التفتوا إليه
"أبي، ماذا تقول، هل سنترك عدونا يتجول في الساحة هكذا بكل أريحيه"
ليصيح والده به
"جومالي ستفعل ما اقوله، لم أمت بعد حتى تتصرف من عقلك"
ولم يعطه فرصة للرد فنهض من أمامه متجهًا إلى سيارته ساحبًا خلفه ياماش، تاركًا ذاك العقل الفارغ يدبدب في الأرض وهو يسب ويسخط فمن فعل هذا
جاء سليم من خلفه وربت على كتفه،  يقول بهدؤء اتصف به منذ طفولته
"أخي، ألن نذهب؟"
جن جومالي في هذه اللحظة فتفوه صارخًا لا يعبئ بمن حوله
"إلى أين سأذهب يا سليم ها، إلى أين سأذهب، الأ ترى تلك النار يا بني ألا تراها"
"الله الله، اذهب واغرق بها لن امنعك"
رمقه جومالي بحنق فذهب سليم من أمامه ونادي على كمال حتى يعودوا إلى البيت
كان كمال يقود السيارة بسرعة عالية حتى كادت أن تصطدم بالسيارات امامه، فيضربه متين ضربة صغيرة على كتفه وهو يصيح به
"أخفض السيارة يا بني سنقتل"
ليجيب الأخر بلا مبالاة وهو يزيد السرعة أكثر
"اخي نريد أن نلحق بأبي ادريس"
____________
وفي تلك الأثناء كانت كلٌ منهن في غرفتها يسترجين بعض الراحة بعد يومٍ متعب..
وهناك كانت تجلس على فراشها تتوسل للنوم حتى يأتيها، ولكنه يأبي ذلك وبدأ يُضعفها وينهشها شيئًا فشيئًا إلى أن شعرت بذلك الألم الذي تعرفه جيدًا. ذلك الألم الذي يأتي عندما تنزعج من أحد..
خارت قواها وبدأت بالبكاء، أرتفع تدريجيًا ليتحول لصراخ..فشلت في كبح جماحه كما فشلت الوسادة في ذلك؛ فأعلن عن نفسه بقوة خارج غرفتها.
كانت سنا في الطريق لغرفتها في هذا الوقت بعدما ملئت قارورة المياه، ولكن هناك ما جذب انتباهها فجعلها تتوقف قليلًا حتى تعرف كُنه هذا الصوت، بكاء؟ بالفعل هذه الشهقات المرتفعة لا تدل سوى على ذلك، ولكن من أي غرفة تعالت هذه الشهقات!؟  أهي غرفة كاراجا وأكشين ؟، أم داملا أم عائشة أم ميركلانو؟
وضعت قدميها أمام غرفة كاراجا وأكشين وفتحت الباب ببطئ لكيلا تُصدر أي صوت يتسبب في إيقاظهم ،وجدتهم نيامًا بجوار بعضهم البعض لا يعُ بما يحدث خارج غرفتهم.
أغلقت ضوء المصباح الخافت الذي أوقدته وبنفس هدوء الدخول أغلقت الباب وخرجت.
أتجهت إلى الغرفة الأخرى التي تقطن فيها عائشة وها هي تغط في نوم عميق، ثم إلى غرفة داملا سعيًا وراء معرفة مصدر الصوت ولكنها وجدتها كعائشة.
انحصرت الخيارات أمام سما فلم يتبقى سوى غرفة ميركلانو ،وهُنا لاح السؤال في ذهنها
"أيعقل أن تكوني هي؟!
تحركت نحو غرفة ميركلانو وهى تدافع الأفكار والفضول الممزوج بالقلق والحيرة..كلٌ في آن واحد، وما إن وصلت حتى قالت:
" ميركلانو، هل أنتِ بخير؟"
تحول حزن ميركلانو لقلق.. فنزعت يدها من على فمها واعتدلت في جلستها، تتساءل أي مدى قد وصل إليه صوت بكائي؟
شردت قليلًا ثم حدثها عقلها:
هل من الممكن أن يكون سمعها أكين أيضًا؟
طرقات متتالية انتزعتها من شرودها:
"حبيبتي، افتحي، ألستُ صديقتك؟"
على السلالم في نفس التوقيت كان أكين يصعد لغرفته ليأخذ سلاحه الاحتياطي، رأى سنا واقفة أمام الغرفة تتنهد بتعب وهى تستند بيديها على ركبتيها؛ فسألها وهو يخفض صوته في هذا الوقت المتأخر:
"زوجة عمي، ما بكِ؟، لمَ تقفين هكذا؟"
أشارت له على باب غرفة ميركلانو وقالت بعبوس وحزن طاغي على وجهها:
"تبكي بحرقة يا أكين!.."
صمتت لبرهة وأكملت وهى تزفر:
"قلبها..هو الذي يبكي.."
عاد أكين بنظره للباب ثم التف مرة أخرى يردد بتفهم الأمر:
"حسنٌ، سأتولى أمرها، أرتاحي أنتِ،لا نريد أن نُحمّل أخي الصغير مجهود إضافي"
"حسنًا"
عادت سنا إلى غرفتها وظل هو واقفًا أمام الباب ينتظر منها أي إجابة، حتى سكن بكائها لتنهض مرة واحدة وتفتح الباب وتلقي بنفسها بين أحضان الطارق وما كان إلا أكين الذي ظنته للتو سنا
صُدم اكين من ردة فعلها حتى جحظت عيناه للخارج وهو لا يستوعب ما يحدث، ولكنه أحب هذا الشعور أن تتحامى به وتحتضنه حتى لو عن طريق الخطأ، في هذه اللحظة شعر أنها جزءًا منه وأنه مسئؤل عنها بدأت له كشخص عزيز عليه أو أبنته
وقاطع لحظة شروده هذا تلك الكلمات القاسية التي خرجت منها فعملت على مقتل فؤاده
"لا اريد العيش هنا سنا، أعديني لبيتي رجاءًا"

"لا يمكنني عزيزتي"
بدأت في الاستيعاب تدريجيًا نبرة الصوت هذه، فهذا ليس صوت سنا، فابتعدت ببطء للخلف ومع كل حركة لها كانت كطعنة خنجر تغرس بقلبه فتقتله كأنه يريد أن يقول لها "لا تفعلي أنا اعتدت عليك"
صدمت عندما رأته فتصيح بصوت مرتفع
"أكين"
ارتبك أكين في وقفته لا يعرف كيف يبرر لها هذا على الرغم من أنها الذي اخطأت وعانقته ولكن خوفًا من أن تبكي مرة أخرى، فبدأ بإستجماع قواه قبل أن ياخذ نفسًا طويلًا ويبدأ
"لم أقصد تمام، اقسم أنني.."
ولم يتمكن حتى من إكمال حديثه حتى كانت هي تدخل إلى غرفتها وتغلق الباب خلفها بقوة ونبضات قلبها تتزايد
بدأ بالطرق على الباب بقوة
"ميركلانو، أخرجي لم أقصد اخبرتك بذلك"
لتجيب الأخرى وهي جالسة خلف الباب
"اذهب من هنا اكين، لن افتح"
"ميركلانو افتحي سوف اكسر الباب"
لم تجب عليه، ليأخذ خطوته ويكون على وضع الاستعداد لركل الباب حتى يسمع صوت طلقات نارية تقتحم المنزل
صاح اكين بقوة وهي يحاول كسر الباب ولكنه لم يفلح
"ميركلانو افتحي، افتحي"
فبدأ عقلها في إعطاء إشارة لها بأن تكف عن العناد وتخرج الأن حتى تحمي نفسها، قامت بفتح الباب وخرجت لتلقي نفسها بين أحضانه ولكن هذه المرة وهي بكامل إرادتها مرددة بخوف وقلق
"أكين لا تتركني"
ربت أكين على رأسها وقال بحنان لطالما احتاجته في هذا الوقت
"لا تقلقي  لن أفعل"
أومات براسها بمعنى نعم وهي تخرج من بين أحضانه ليشير لها على غرفة المعيشة بعدما تجمع كل نساء البيت على بداية الممر منتظرين منه إشارة بالنزول
كانوا يسيرون خلف بعضهم البعض وهم ينظرون للخلف تارة وللأمام تارة اخرى كلما تقدموا خطوة، وهو في الخلف حتى يحميهم إذا أطلق اي أحد من العدو النار على رأسهم، وصلوا إلى الغرفة فبدأو بالدخول واحدة تلو الأخرى، وبعد أن اطمأنّ أن جميعهم متواجدين أعطاهم إشارة بأن لا يصدروا صوتًا حتى لا يأتي أحد لهم، وفي اثناء خروجه وغلقه للباب امسكت بيده وقالت بخوف تملك من جسدها
"لا تتركني، خذني معك"
وما كاد أن يجلي حلقه ويتحدث حتى اكملت هيا
"ساقاتل معك أنت ستعلمني"
وضع قبلة على رأسها ثم ردد
"لا أستطيع أن أضحي بكِ عزيزتي، سيكون الأمر قاسيًا على فؤادي"
ولم يعطها فرصة للتحدث حتى خرج وأغلق الباب خلفه، وظلت هي تبحث بعينيها عن مكان لتجلس به حتى اشارت لها سنا على مكان فارغ جوارها فذهبت عندها واستقرت ثم ثواني أخرى مرت وقالت بقلق
"هل سينجو؟"
"سينجو"

دوي أصوات إطلاق النار يزداد بوتيرة متصاعدة إلى أن اقتحم الأجواء وأصبح هو المهيمن عليها كالفارس المنتصر في المعركة.. الطلقات الفارغة تسقط على الأرض كالمطر، وسط هذه المعركة والمناوشات التي تحدث، كان يناور بالإطلاق بسلاحه تارة ثم الاختباء خلف الجدار تارة أخرى؛ فبذكاء العالم بمواطن هذه الأمور عَلِمَ أنه لن يجابههم وحيدًا.
أخرج هاتفه المحمول وأتصل بالرقم الأول الذي وجده أمامه، وكان رقم عمه ياماش الذي كان حينئذ يقود السيارة وبجانبه يجلس والد أكين.
هلع عنه عندما وجد أسم ابن أخيه على هاتفه وأجاب سريعًا واضعًا إياه على مكبر الصوت، وما إن أحاب حتى سمع صوت يهمس:
"عمي"
"أكين، ماذا حدث يا بني؟ لماذا تهمس؟"
تلفّت أكين حوله وتأكد بخلو المكان بمنْ يتربص به في تلك اللحظات ثم شدد على تمسكه بسلاحه قائلًا بفزع:
" يهاجموننا يا عمي، نحن تحت الحصار!"
انتفض ادريس من تلك العبارات :
"أسرع يا ياماش، أسرع!"
زاد ياماش السرعة وهو يسأل أكين:
"والنساء يا بني، أين هم؟"
"في ال"
ولم يكد أن يُنهي عبارته حتى أحس بألم شديد في ذراعه..نعم لقد أُصيب برصاصة..صرخ وتألم بشدة ووقع الهاتف من يده تاركًا عمه وأبيه في أقصى لحظات القلق.
ما إن أنقطع الاتصال من أكين حتى رفع عمه (إدريس) السرعة بطريقة جنونية غير مهتمين  بحياتهم التي قد تنتهي بحادثة طريق، وكل ما تمنوه في تلك اللحظات أن يُقصر الطريق أمتاره؛ ليصلوا لمرادهم في أسرع وقت.

__________________________

وبمرور بعض الوقت حيث ظلت المناوشات متبادلة والطلقات النارية في تزايد مستمر تستهدف ذاك الذي يختبئ خلف الجدار تحديدًا "أكين"، لأنه وفقًا لما وَرَدَ في مخيلتهم أن التخلص منه يعني التخلص من وريث الحفرة كُلِّيًّا فليس هناك من هو أصغر منه، ولكن لا هم حتى لم يحسبوا خطواتهم بشكل صحيح، لم يأت في عقلهم لوهلة أن الحفرة لن تعطي لهم فرصة لفعل ذلك وأن روحه تقابل أرواح عشيرتهم بأكملها، وبالإضافة إلى ذلك فهناك إدريس الصغير إبن صالح وحتى يبلغ عمر التاسعة فسوف تتم تعليمة كيفية الإمساك بالسلاح والتدرب على فنون القتال، وسيوضع له كرسي أمام المقهى حتى يرى الداخل والخارج ويُبصر حالة الجميع إذا كان أحدهم لا يملك نقودا لشراء الطعام لبيته أو إن كان هناك من يرتدى ملابس قديمة ولا يستطيع قضاء حاجته، سيرى من يحتاج ويعينه، الجد إدريس يقول دائما "إذا أردت أن تحمي العائلة عليك أن تحمي الحفرة لأن عائلتك هي الحفرة" وهنا سيفعل ما يلزم لتأسيس هذا الصغير، فهناك في الدولة العثمانية قديمًا كانوا يدربون أبناءهم ليصبحوا ملوكا من بعدهم ولكن هنا يعلمونه حتى يصبح أب الحفرة...
ومع بداية كل شروق للشمس حياة جديدة تحمل بين طياتها أقواسا من اللآلئ الذهبية التي تبعث الدفء والطمأنينة للبشرية، وهنا كان يكمن دفئ نساء عائلة كوشوڤالي، فبظهور الشمس ظهر الأمل الذي فقدوه طوال ساعات الليل المظلمة، في هذا الوقت تحديدًا عَادَ جميع آل كوشوڤالي للبيت محملين بأسلحة من الطراز الحديث تعادل خاصة العدو أو أردى منها بعض الشيء، ولكن هذا ما توصلوا إليه وتمكنوا من جمعه خلال هذه الدقائق القصيرة التي لم تتجاوز خمسة وعشرون دقيقة والتي كانت محصورة بين اتصال ياماش بسليم وتدبر كمال الأمر...
صف الجميع سيارته عند مدخل البيت ونزلوا منهم واحد تلو الآخر، استند إدريس بيده على باب السيارة وحال بنظره على المسلحين لدقائق يمنى ويسرى يحاول حصر عدد المسلحين في الداخل، فهناك عند الباب الرئيسي كان يستقر سبعة رجال يرتدون أقنعة سوداء، وفي الحديقة ثلاثة رجال، وهناك في الناحية الخلفية يستقر اثنين آخرين يتسللون خفية خلف بعضهم البعض في محاولة لأخذ اي أحد من العائلة كأسير حتى يستخدمه قائدهم كنقطة ضعف لهم، وللحظات قصيرة استمع أحدهم صوت بكاء النساء في الداخل، ظلوا يترقبون مصدر الصوت حتى وصلوا لغايتهم، فنظروا لبعضهم البعض وابتسامة شريرة تعلو على أفواهم
كان ياماش يعلق نظره عليهم وكاد أن يفتح فمه للتكلم ولكن أباه قاطعه بإشارة من يده، ولكنه أعاد كلماته وهو يشد والده من ثيابه حتى ينظر على الجهة التي يشير إليها بيده ثم اردف بتوتر
‏ "أبي يتجهون للنساء سيأخذونهم"
‏وما كاد أن يدب إحداهما قدمه داخل البيت حتى دست الرصاصات فيهما ومن ثم انهالت الطلقات عليهم كالمطر ليسقط الأثنان صرعان على الأرض، وتفرق الأخوة بعدها  حيث أمرهم إدريس، استقر سليم وصالح في الجهة الخلفية من البيت لمنع أي فرد من الدخول عند النساء وأخذا ياماش متين وكمال واستهدفوا الجهة الأمامية، ومن الجهة اليسرى تقدم إدريس رفقة جومالي ومعهم ميكي وجيلاسون وكذلك بعض رجال الحفرة الذين تفرقوا في أرجاء المكان
كان سليم يراقب من هم يسيرون أمامه حتى أقترب أحدهم من صالح وهو يجهز سلاحه للإطلاق، فصرخ سليم وهو يطلق على رأسه
"أخي انتبه"
استدار صالح خلفه ليجد أن ذاك الشخص راكض على الأرض خلفه تمامًا أي أنه كان على وشك أن يكون هو مكانه الآن
طالعه صالح بإمتنان ممزوج بصدمة من أثر الموقف، ربت سليم على كتفه وهو يشير له بعينه على ذاك الذي يتسلل في الظلام ناحية جومالي،  أشار صالح له بأن يتقدم أمامه وسيكون هو خلفه وما إن اقتربوا من هدفهم حتى كانت الطلقات النارية تنغرس في صدر العدو واحدة تلو الأخرى بدون مسافات
"واحد أخر هناك"
اتجه سليم حيث اشار صالح وتخلص منه كما فعل مع سابقه حتى انتهوا من جميع الرجال الذين كان يسدون طريق الباب، فدخلوا هم ببطئ ناظري خلفهم وأمامهم خوفًا من أن تأتيهم طلقة من مكان مجهول...

وعلى وشك الإنتهاء خرج أكين من مخبأه، وما إن وجدهم  أمامه حتى أعطى اشارة لوالده وأخوانه بالدخول أشار سليم لمن في الخارج بالمجيء هم ايضًا، ولكن يبدو أنهم تسرعوا قليلًا في، لم يكد إدريس أن يخطى خطوة واحدة داخل المنزل وخلفه أبناءه حتى كادت أن تصيبه طلقة في منتصف رأسه من جريح ممدد على الأرض أطلق عليه صالح قبل قليل، لولا أكين الذي أطلق عليه ثانيةً قبل أن يفعل هذا الوغد ويطلق على جده...
علت الصدمة على وجه إدريس وهو يفكر هل كان سيموت للتو ويترك عائلته، هل أدى رسالته تجاه الحفرة واستطاع حمايتها، هل آهل أولاده بشكل مناسب لاستلام مكانه من بعده، وفوق هذا وهذا هل فعل ما يؤهله لمقابلة ربه ودخوله الجنة، هل أقام فروضه في أوقاتها أم فوت البعض منها نظرًا لمشاغله التي كثرت عليه في الفترة الأخيرة، هل أخرج الصدقات من الأموال التي كان يجنيها وتأتيه من الداخل والخارج، هل منع بيع المخدرات بشكل كامل أم انه ما زال يوجد منها ولو القليل في الحفرة طالما كانت أمنية حياته أن يموت وهو ساجد إلى الله أو وهو يتلو أيات من القرآن الكريم
"انتهينا منهم"
خرج من شروده على صوت جيلاسون الذي كان يأخذ انفاسه بصعوبة وهو يضع يديه على صدره
ابتسم إدريس برضا عن ما حققه أبنائه ثم ربت على كتف جيلاسون وبعدها اشار لميكي بأن يفتح الباب للنساء حتى لا يختنقن في الداخل...
خرجت واحدة تلوى الأخرى وجُلّ واحدة منهم اخذت  أحضان زوجها مقرًا للسكون والطمأنينة لها، بعدما مروا به قبل قليل، وهناك أكشين اختبأت في أحضان جدها وكاراجا استقبلها والدها وهو يضمها إليه بقوة ويقبل رأسها، وتبقت هي وحدها حيث ظلت شاردة في الوجوه لثوانٍ فهي لا تعرف لمن تذهب هي حتى ليس لديها حبيب، استقرت عينها عليه حيث كأن يتأمل بها كأنه ينتظر مجيئها له ليرحب بها في قاع قلبه فيخبئها ولا يخرجها نهائيًا، فتح ذراعيه لها في دعوة منه للدخول والمكوث وهناك بسمة صغيرة رسمت على وجهه عملت على إظهار غمازته، ولم يمضى سوى هنينهات و كانت تتحرك بخطى بطيئة إليه، لا تعرف ما تفعله هذا صواب أم لا ولكن خطاها ازدادت سرعة واحدة تلو الأخرى كأن هناك من كان يدفعها للقيام بذلك، حتى استقرت بين ذراعيه.....

رحلة إلى الحفرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن