الجزء الرابع: عسى النهاية تقودكِ إلى البداية

495 87 71
                                    

الجزء الرابع: عسى النهايةُ تقودكِ طوعًا إلى البدايةِ

إستيقظت سحر في وقت متأخّر من الصباح بعد ليلة قضت ساعاتها في المطالعة غارقةً في أحداث الرواية هائمةً في جمال الوصف. إستقامت متثائبة تتخلّص من رواسب النعاس فإذا بالكتاب الرابض على منضدة السرير يغريها لإكمال القصّة لكنّ دخول والدتها الغرفة أرجع يدها فورًا إلى الوراء:

-أمّي، صباح الخير

-حبيبتي، قولي طاب يومك، دقائق قليلة ويحلّ الظهر، لمَ كلّ هذا الكسل؟

وحين لمحت نهال الرواية على المنضدة أجابت بنفسها عن السؤال وقد ألقت نظرة على الغلاف:

-لا داعي للتبرير، أظنّ قد عرفت الجواب، قضيت الليل تقرئين، العنوان لافت والكاتب نفسه... فوجئت به في حفلة الخطبة، كنت أتوقّع رؤية رجل متقدّم في السنّ فإذا به في مقتبل الرجولة... والآن هيّا إنهضي من السرير واخرجي لموافاة جدّتك في الحديقة، أنا ذاهبة إلى السوق وحميدة سترافقني، هل تحتاجين إلى شيء أجلبه معي؟

هزّت رأسها نفيًا وبقيت مكتومة الأنفاس تعيد في ذهنها ما سمعته من أمّها عن الكاتب، تؤكّد صواب الكلام فهي قد لمست بنفسها رجولته المفعمة بالشباب. تنبّهت إلى شرودها عند صرير الباب يعلن خروج الوالدة فعادت يدها مستسلمة إلى الكتاب تفتح صفحته الأولى لتترك الإحساس ينعم بأرقى الكلام والنظر يهيم بفخامة التوقيع يعلوه تاريخ الأمس والمكان: "بين زرقة السماء وموج البحر حكاية صداقة تبصر ولادة النور". ما أرقاه تعبيرًا عن صداقة تشقّ طريقها إلى الاكتمال! كلام بمنتهى الرقيّ والجمال قرأته حتّى الآن مئات المرّات يحمل إلى روحها البريئة فيضًا من الآهات، لقد بات يعتبرها صديقة وهذا بحدّ ذاته حلمًا لم تعشه إلّا في التهيّئات. وفي ذروة انتصارها على الخيال لاحت لها في البعيد كلمات الإهداء، ذلك الإهداء الذي تحدّث عنه الصحافيّ وقرأته هي في هذا الكتاب، يرفعه الكريملي إلى أحلى النساء يغازلها جهرًا أمام القرّاء يميّزها عن سائر السيّدات والآنسات... يخاطبها برومانسيّة الكاتب العاشق الولهان، لا بدّ أنّها ملهمته صاحبة الإلهام... هي وحدها أسرت روحه بطيفها الملائكيّ وخاطبت قلبه بصمتها الورديّ. أغلقت الكتاب بحركة عابرة تُسكت عبارات الإهداء تمنع عقلها الصغير من التفكير بالمستحيل، كيف لها أن تفكّر لوهلة أنّها المعنيّة بكلام الأمس؟ كيف لها أن تفهم ما قاله بطريقة خاطئة؟ ربّما لأنّها تمنّت لولم يقابل ملهمته في الأساس، ربّما لأنّها تمنّت أن تكون هي مصدر الإلهام... نهضت عن السرير منتفضةً مستاءة تضع حدًّا لشعور مزعج اجتاح كيانها، هي الغيرة تفتك بداخلها غير أنّها تجاهد في صدّها لأنّها لا تجرؤ حتّى على الاعتراف بها.

---------------------------------------------------------------------------------------------------

فتح جينغار باب المدخل يستقبل نديم قرابة العصر، وما إن تعالى صوت الزائر في الصالون حتّى أطلّ الكريملي من غرفة النوم يمسك بيدٍ نظّارات الشمس وبأخرى سترة ربيعيّة القماش:

ملهمتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن